الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فصل في المراد من حضور الموت: أحدهما: وهو المَشهور أنَّ المرادَ حُضُور أمارةِ المَوت؛ كالمَرَض المَخُوف؛ كما يقال فيمن يخافُ علَيه المَوْت حَضَرهُ المَوْتُ ويقالُ لِمَنْ قارب البَلَد: وَصَلَ؛ قال عنترة: الوافر: وقال جَرِيرُ، يهْجُو الفَرَزدَق الوافر: والثاني: قال الأصمُّ: إِنَّ المُرَادَ: فَرَضْنَا عَليْكُم الوصِيَّة في حَالِ الصَّحَّة بأن تقُولُوا: إِذا حَضَرَنا المَوْتُ، فافْعَلُوا كذا. .فصل في المراد بالخير في الآية: الأَوَّل: الخَيْرُ: المالُ؛ كهذه الآية. الثاني: الإيمانُ، قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال: 23] أي: إيمانًا، وقوله: [الأنفال: 70]، يعني: إيمانًا. الثالث: الخير الفضل؛ ومنه قوله: {خَيْرُ الرازقين} [المائدة: 14]، [الحج: 58]، [المؤمنون: 72]، [سبأ: 39]، [الجمعة: 11] {خَيْرُ الراحمين} [المؤمنون: 109، 118] {خَيْرُ الحاكمين} [الأعراف: 87]، [يونس: 109]، [يوسف: 80]. الرابع: الخير: العافية؛ قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا} [يونس: 107]، أي: بعافية. الخامس: الثَّواب قال تعالى: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36]، أي: ثواب وأجر. السادس: الخير: الطَّعام؛ قال: {إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]. السابع: الخير: الظَّفر والغنيمة؛ قال تعالى: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا} [الأحزاب: 25]. الثامن: الخير: الخيل؛ قال تعالى: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32]، يعني: الخيل. .فصل في تحرير معنى الوصيَّة: قوله: {بالمعروف}: يجوز فيه وجهان: أحدهما: أن يتعلَّق بنفس الوصيَّة. والثاني: أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الوصيَّة، أي: حال كونها ملتبسة بالمعروف، لا بالجور. قوله: {حَقًّا} في نصبه ثلاثة أوجهٍ: أحدها: أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، ذلك المصدر المحذوف: إما مصدر {كُتِبَ}، أو مصدر أَوْصَى، أي: كَتْبًا حَقًّا أو إيصاءً حَقًّا. الثاني: أنه حالٌ من المصدر المعرَّف المحذوف، إما مصدر {كُتِبَ}، أو أوصى؛ كما تقدَّم. الثالث: أن ينتصب على أنَّه مؤكِّدٌ لمضمون الجملة؛ فيكون عاملة محذوفًا، أي: حُقَّ ذلك حَقًّا، قاله الزمَّخشرِيُّ، وابن عطيَّة، وأبو البَقَاء. قال أبو حَيَّان: وهذا تَأْبَاهُ القَوَاعِدُ النَّحْوِيَّة؛ لأن ظاهر قوله: {على المُتَّقِينَ} أن يتعلَّق ب {حَقًّا}، أو يكون في موضع الصفة له، وكلا التقديرين لا يجوز. أما الأول؛ فلأنَّ المصدر المؤكِّد لا يعمل، وأما الثاني؛ فلأنَّ الوصف يخرجه عن التَّأكيد. قال شهاب الدِّين: وهذا لا يلزمهم؛ فإنهم، والحالة هذه، لا يقولون: إنَّ {عَلَى المُتَّقِينَ} متعلِّق به، وقد نصَّ على ذلك أو بالبَقَاءِ رحمه الله؛ فإنه قال: وقيل: هو متعلِّق بنفس المصدر، وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ المصدر المؤكِّد لا يعمل، وإنَّما يعمل المصدر المنتصب بالفعل المحذوف، إذا ناب عنه؛ كقولك ضَربًا زيدًا، أي: اضْرِبْ إلاَّ أنه جعله صفة لحقّ فهذا يرد عليه، وقال بعض المعربين: إنه مؤكد لما تضمَّنه معنى المتقين: كأنَّه قيل {عَلَى المُتَّقِينَ حَقًّا}؛ كقوله: {أولئك هُمُ المؤمنون حَقًّا} [الأنفال: 74] وهذا ضعيف؛ لتقدمه على عاملة الموصول، ولأنه لا يتبادر إلى الذِّهن. قال أبو حيَّان: والأولى عندي: أن يكون مصدرًا من معنى {كُتِبَ}؛ لأن معنى كُتِبَ الوَصِيَّةُ، أي: حقَّت ووجبت، فهو مصدر على غير الصدر، نحو: قَعَدت جُلُوسًا. اهـ. باختصار. .تفسير الآية رقم (181): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما تسبب عن كونه فعل ما دعت إليه التقوى من العدل وجوب العمل به قال: {فمن بدله} أي الإيصاء الواقع على الوجه المشروع أو الموصى به بأن غير عينه إن كان عينيًا أو نقصه إن كان مثليًا. وقال الحرالي: لما ولي المتقين إيصال متروكهم إلى والديهم وقراباتهم فأمضوه بالمعروف تولى عنهم التهديد لمن بدل عليهم، وفي إفهامه أن الفرائض إنما أنزلت عن تقصير وقع في حق الوصية فكأنه لو بقي على ذلك لكان كل المال حظًا للمتوفى، فلما فرضت الفرائض اختزل من يديه الثلثان وبقي الثلث على الحكم الأول، وبين أن الفرض عين الوصية فلا وصية لوارث لأن الفرض بدلها. انتهى. {بعد ما سمعه} أي علمه علمًا لا شك فيه، أما إذا لم يتحقق فاجتهد فلا إثم، وأكد التحذير من تغيير المغير وسكوت الباقين عليه بقوله: {فإنما إثمه} أي التبديل {على الذين يبدلونه} بالفعل أو التقدير لا يلحق الموصى منه شيء. ولما كان للموصي والمبدل أقوال وأفعال ونيات حذر بقوله: {إن الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {سميع} أي لما يقوله كل منهما {عليم} بسره وعلنه في ذلك، فليحذر من عمل السوء وإن أظهر غيره ومن دعاء المظلوم فإن الله يجيبه. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: .المسألة الأولى: هذا المبدل من هو؟ والقول الثاني: أن المنهى عن التغيير هو الموصي نهى عن تغيير الوصية عن المواضع التي بين الله تعالى بالوصية إليها وذلك لأنا بينا أنهم كانوا في الجاهلية يوصون للأجانب ويتركون الأقارب في الجوع والضر، فالله تعالى أمرهم بالوصية للأقربين، ثم زجر بقوله: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} من أعرض عن هذا التكليف. .المسألة الثانية: الكناية في قوله: {فَمَن بَدَّلَهُ}: أحدها: أن الوصية بمعنى الإيصاء ودالة عليه، كقوله تعالى: {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة: 275] أي وعظ، والتقدير: فمن بدل ما قاله الميت، أو ما أوصى به أو سمعه عنه. وثانيها: قيل الهاء راجعة إلى الحكم والفرض والتقدير فمن بدل الأمر المقدم ذكره. وثالثها: أن الضمير عائد إلى ما أوصى به الميت فلذلك ذكره، وإن كانت الوصية مؤنثة. ورابعها: أن الكناية تعود إلى معنى الوصية وهو قول أو فعل. وخامسها: أن تأنيث الوصية ليس بالحقيقي فيجوز أن يكنى عنها بكناية المذكر. أما قوله: {بَعْدَمَا سَمِعَهُ} فهو يدل على أن الإثم إنما يثبت أو يعظم بشرط أن يكون المبدل قد علم ذلك، لأنه لا معنى للسماع لو لم يقع العلم به، فصار إثبات سماعه كإثبات علمه. اهـ. .قال ابن عاشور: والمراد من التبديل هنا الإبطال أو النقص؛ وما صْدَقُ مَنْ بدَّله هو الذي بيده تنفيذ الوصية من خاصة الورثة كالأبناء ومن الشهود عليها بإشهاد من الموصي أو بحضور موطن الوصية كما في الوصية في السفر المذكورة في سورة المائدة: {لانشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين} [المائدة: 106] فالتبديل مستعمل في معناه المجازي لأن حقيقة التبديل جعل شيء في مكان شيء آخر والنقض يستلزم الإتيان بضد المنقوض وتقييد التبديل بظرف {بعدما سمعه} تعليل للوعيد أي لأنه بدل ما سمعه وتحققه وإلاّ فإن التبديل لا يتصور إلاّ في معلوم مسموع؛ إذ لا تتوجه النفوس إلى المجهول. اهـ. .قال ابن عرفة: إن أريد به الموصى فالمعنى: فمن لم يمتثله، لأن تبديل حكم الله تعالى غير معقول. وأن أريد به الوارث الأجنبي فالتبديل حقيقة بَاقِ على ظاهره. اهـ. .قال ابن عاشور: والمقصود من هذا القصر إبطال تعلل بعض الناس بترك الوصية بعلة خيفة ألاّ ينفذها الموكول إليهم تنفيذُها، أي فعليكم بالإيصاء ووجوب التنفيذ متعين على ناظر الوصية فإن بدله فعليه إثمه، وقد دل قوله: {فإنما إثمه على الذين يبدلونه} أي هذا التبديل يمنعه الشرع ويضرب ولاةُ الأمور على يد من يحاول هذا التبديل؛ لأن الإثم لا يقرر شرعًا. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .قال الفخر: .قال الألوسي: أما قوله: {إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فمعناه أنه تعالى سميع للوصية على حدها، ويعلمها على صفتها، فلا يخفى عليه خافية من التغيير الواقع فيها، والله أعلم. اهـ.
|