الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فصل: معنى الخطوة: قال الزَّجَّاج وابن قُتَيْبَة: خُطُوَاتُ الشَّيْطان طُرُقُهُ، وإن جعلت الخطوة مصدرًا، فالتقدير: لا تَأَتَمُّوا به، ولا تَتَّبِعُوا أَثَرَهُ، والمعنى: أن الله تعالى، زجر المكلَّف عن تخطِّي الحلال إلى الشُّبه؛ كما زجره عن تخطِّيه إلى الحرام، وبيَّن العلَّة في هذا التحذير، وهو كونه عدوًّا مبينًا، أي: متظاهرًا بالعداوة؛ وذلك لأنَّ الشيطان التزم أمورًا سبعةً في العداوة: أربعة منها في قوله تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} [النساء: 119]. وثلاثة منها في قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16- 17] فلمَّا التزم هذه الأمور، كان عدوًا متظاهرًا بالعداوة، وقد أظهر عداوته بإبائه السُّجود لآدم، وغروره إيّاه؛ حتَّى أخرجه من الجنَّة. قوله: {إِنَّهُ لَكُمْ} قال أبُو البَقَاءِ: إنَّما كسر الهمزة؛ لأنَّه أراد الإعلام بحاله، وهو أبلغ من الفتح؛ لأنه إذا فتح الهمزة، صار التقدير: لا تتَّبعوه؛ لأنَّه عدوٌّ لكم، واتباعه ممنوعٌ، وإن لم يكن عدوًّا لنا، مثله: منهوك الرجز: كسر الهمزة أجود؛ لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كلِّ حال، وكذلك التلبية. انتهى. يعني أن الكسر استئنافٌ محض فهو إخبار بذلك، وهذا الذي قاله في وجه الكسر لا يتعيَّن؛ لأنَّه يجوز أن يراد التعليل مع كسرة الهمزة؛ فإنَّهم نصُّوا على أنَّ إنَّ المكسورة تفيد العلَّة أيضًا، وقد ذكر ذلك في هذه الآية بعينها؛ كما تقدم أنفًا، فينبغي أن يقال: قراءة الكسر أولى؛ لأنَّها محتملة للإخبار المحض بحاله، وللعلَّيِّة؛ وممَّا يدلُّ على أنَّ المكسورة تفيد العلَّيَّة قوله عليه السلام في الرَّوثة إنَّها رجسٌ وقوله في الهرَّة: «إنَّها لَيْسَتْ بِنَجِسٍ؛ إنَّها مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ». وقوله: «لاَ تُنْكَحُ المَرأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا؛ إِنَّكُمْ إذا فَعَلْتُمْ ذلك، قَطَّعْتُمْ أرْحَامَكُمْ». وأما المفتوحة: فهي نصٌّ في العلِّيَّة، لأنَّ الكلام على تقدير لام العلَّة. قوله: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسوء والفحشاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فهذه كالتَّفصيل لجملة عداوته، وهو مشتمل على أمور ثلاثةٍ: أولها: السُّوء، وهو: متناول جميع المعاصي، سواءٌ كانت تلك المعاصي من أفعال الجوارح، أو من أفعال القلوب. وسُمِّي السُّوء سوءًا؛ لأنَّه يسوء صاحبه بسوء عواقبه، وهو مصدر: سَاءَهُ يَسُوءُهُ سُوءًا ومَسَاءَةً إذا أحزنه، وسُؤْتُهُ، فَسِيءَ إذا أحزنته، فحزن؛ قال تعالى: {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} [الملك: 27]؛ قال الشَّاعر: السريع: وثانيها: الفحشاء: وهو مصدر من الفحش؛ كالبأساء من البأس، والفحش: قبح المنظر. قال امْرُؤ القَيْسِ: الطويل: وتوسِّع فيه، حتَّى صار يعبر به عن كلِّ مستقبحٍ معنى كان أو عينًا. والفَحْشَاءُ: نوعٌ من السُّوء، كأنَّها أقبح أنواعه، وهي: ما يستعظم، ويستفحش من المعاصي. وثالثها: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فكأنَّه أقبح الأشياء؛ لأنَّ وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم أنواع الكبائر، فهذه الجملة كالتفسير لقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان}. فدلَّت الآية الكريمة على أنَّ الشيطان يدعو إلى الصَّغائر والكبائر، والكفر، والجهل بالله. وقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا} عطفٌ على قوله: {بالسُّوء}، تقديره: وبِأَنْ تَقُولُوا فيحتمل موضعها الجرَّ والنصب؛ بحسب قول الخليل، وسيبويه. قال الطَّبَرِيُّ: يريد ما حرَّموا من البحيرة والسَّائبة ونحوهما، مما جعلوه شرعًا. اهـ. باختصار. .تفسير الآية رقم (170): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما نهاهم سبحانه وتعالى عن متابعة العدو ذمهم بمتابعته مع أنه عدو من غير حجة بل بمجرد التقليد للجهلة فقال عاطفًا على {ومن الناس} معجبًا منهم. {وإذا قيل} أي من أي قائل كان. ولما كان الخطاب للناس عامة وكان أكثرهم مقلدًا ولاسيما للآباء أعاد الضمير والمراد أكثرهم فقال: {لهم اتبعوا} أي اجتهدوا في تكليف أنفسكم الرد عن الهوى الذي نفخه فيها الشيطان، وفي قوله له {ما أنزل الله} أي الذي له العلم الشامل والقدرة التامة انعطاف على ذلك الكتاب لا ريب فيه وما شاكله {قالوا بل} أي لا نتبع ما أنزل الله بل {نتبع} أي نجتهد في تبع {ما ألفينا} أي وجدنا، قال الحرالي: من الإلفاء وهو وجدان الأمر على ما ألفه المتبصر فيه أو الناظر إليه {عليه آباءنا} أي على ما هم عليه من الجهل والعجز، قال: ففيه إشعار بأن عوائد الآباء منهية حتى يشهد لها شاهد أبوة الدين ففيه التحذير في رتب ما بين حال الكفر إلى أدنى الفتنة التي شأن الناس أن يتبعوا فيها عوائد آبائهم. انتهى. ولما أبوا إلا إلف وهاد التقليد فدنوا عن السمو إلى عداد أولي العلم بالنظر السديد أنكر عليهم سبحانه وتعالى ذلك فقال مبكتًا لهم: {أولو} أي أيتبعون أباءهم والحال أنه {كان آباؤهم لا يعقلون} ببصائر قلوبهم {شيئًا} من الأشياء المعقولة {ولا يهتدون} بأبصار عيونهم إلى شيء من الأشياء المحسوسة. ولما كان التقدير: فمثلهم حينئذ كمن تبع أعمى في طريق وعر خفي في فلوات شاسعة كثيرة الخطر عطف عليه ما يرشد إلى تقديره من قوله منبهًا على أنهم صاروا بهذا كالبهائم بل أضل لأنها وإن كانت لا تعقل فهي تسمع وتبصر فتهتدي إلى منافعها. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: .قال الألوسي: .قال الفخر: قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. الواو في {أَولَوْ} واو العطف، دخلت عليها همزة الاستفهام المنقولة إلى معنى التوبيخ والتقريع، وإنما جعلت همزة الاستفهام للتوبيخ، لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة، كما يقتضي الاستفهام الإخبار عن المستفهم عنه. الثانية: تقرير هذا الجواب من وجوه أحدها: أن يقال للمقلد: هل تعترف بأن شرط جواز تقليد الإنسان أن يعلم كونه محقًا أم لا؟ فإن اعترفت بذلك لم نعلم جواز تقليده إلا بعد أن تعرف كونه محقًا، فكيف عرفت أنه محق؟ وإن عرفته بتقليد آخر لزم التسلسل، وإن عرفته بالعقل فذاك كاف، فلا حاجة إلى التقليد، وإن قلت: ليس من شرط جواز تقليده أن يعلم كونه محقًا، فاذن قد جوزت تقليده، وإن كان مبطلًا فإذن أنت على تقليدك لا تعلم أنك محق أو مبطل وثانيها: هب أن ذلك المتقدم كان عالمًا بهذا الشيء إلا أنا لو قدرنا أن ذلك المتقدم ما كان عالمًا بذلك الشيء قط وما اختار فيه ألبتة مذهبًا، فأنت ماذا كنت تعمل؟ فعلى تقدير أن لا يوجد ذلك المتقدم ولا مذهبه كان لابد من العدول إلى النظر فكذا هاهنا وثالثها: أنك إذا قلدت من قبلك، فذلك المتقدم كيف عرفته؟ أعرفته بتقليد أم لا بتقليد؟ فإن عرفته بتقليد لزم إما الدور وإما التسلسل، وإن عرفته لا بتقليد بل بدليل، فإذا أوجبت تقليد ذلك المتقدم وجب أن تطلب العلم بالدليل لا بالتقليد، لأنك لو طلبت بالتقليد لا بالدليل، مع أن ذلك المتقدم طلبه بالدليل لا بالتقليد كنت مخالفًا له، فثبت أن القول بالتقليد يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلًا. اهـ. .فصل في المراد بالآية: .أسئلة وأجوبة: .سؤال في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}: والجواب: أنه يقال ألفى بمعنى وجد التي في قولهم: وجدت الضالة فتتعدى إلى واحد ولا يقال ألفى بمعنى وجد التي بمعنى علم متعديا إلى اثنتين وما يقع منتصبا بعد مفعوله في مثل قولك: ألفيت زيدا عالما فإنما انتصابه على الحال بدليل أنه لا يوجد إلا نكرة. فوجد لفظ مشترك يقال بمعنى العلم وبمعنى العثور على الشيء والذى هو الوجدان تقول من هذا وجدت الضالة أى عثرت عليها وإذا تقرر هذا فنقول إنه قد تقدم قبل آية البقرة قوله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان}، ثم قال: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} وخطوات الشيطان وأمره أهواء مضلة، وذلك كله في طرف نقيض من مقتضى العلم وحصل من هذا أن الشيطان هو الذي يأمرهم ويدعوهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون فحصل من هذا أنه لا علم عندهم ولا توهم علم، وإنهم اعتمدوا اتباع آبائهم فيما يأمر به الشيطان فناسب هذا قولهم: {بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} لأن ما ألفوا عليه آباءهم وجدان لا علم معه حاصلا ولا متوهما فناسب جوابهم ما عليه حالهم وما هم عليه ولما تقدم في سورة لقمان قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} فحصل ذكر {علم} وإن كان منفيا ولأن جدالهم ينبئ أنهم توهموا أن ذلك علم وأنهم على شيء فقد حصل من مجادلتهم أنهم يظنون أنهم على علم كما قال تعالى: {يحسبون أنهم على شيء} ولا يجادل إلا متعلق بشبهة يظن أنها علم فناسبه قوله تعالى مخبرا عنهم: {بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا} لاشتراك لفظ وجد إذ يكون بمعنى العلم. وجواب ثان: هو أن ألفى أكثر حروفا من وجد فناسب لفظ ألفى طول آية البقرة وناسب لفظ وجد إيجاز آية لقمان مراعاة لفظية ملحوظة في البلاغة فحصل التناسب في اللفظ والمعنى والله أعلم بما أراد. اهـ. .سؤال في قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}: .سؤال: لم عبر هنا بقوله: {أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا} وفي المائدة {لا يعلمون}:
|