فصل: تفسير الآية رقم (90)

مساءً 10 :50
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
2
الثلاثاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏(‏وَاللَّهُ‏)‏ الَّذِي ‏(‏جَعَلَ لَكُمْ‏)‏ أَيُّهَا النَّاسُ ‏{‏مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا‏}‏ يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ، ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا‏}‏‏:‏ أَيْ وَاللَّهُ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَتَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ وَحِفْدَةً‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِالْحِفْدَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ الْأَخْتَانُ، أَخْتَانُ الرَّجُلِ عَلَى بَنَاتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأُخْتَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَرْقَاءَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ‏:‏ مَا تَقُولُ فِي الْحَفَدَةِ‏؟‏ هُمْ حَشَمُ الرَّجُلِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنَّهُمُ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَا جَمِيعًا‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي‏.‏ عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ وَابْنُ وَكِيعٍ وَسُوَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ خِرَاشٍ وَالْحُسْنُ بْنُ خَلَفٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالُوا‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخِتْنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ الْأَخْتَانُِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏(‏وَحَفَدَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ الْأَصْهَارُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْأَخْتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ مَا الْحَفَدَةُ يَا زِرُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ هُمْ أَحْفَادُ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِهِ وَوُلْدِ وَلَدِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا هُمُ الْأَصْهَارُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمْ أَعْوَانُ الرَّجُلِ وَخَدَمُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ‏:‏ ثني سُلَيْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَهَبِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ‏:‏

حَـفَدَ الْوَلَائِـدُ حَـوْلَهُنَّ وأُسْـلِمَتْ *** بِـأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّـةُ الْأَجْمَـالِ

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِِهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخُدَّامُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ‏:‏ ثني سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَازِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخُدَّامُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ يُعِينُونَ الرَّجُلَ مِنْ وَلَدِهِ وَخَدَمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِالْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏(‏وَحَفَدَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ مِنْ خَدَمِكَ مِنْ وَلَدِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سَلَامِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَقَيْسٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَة، قَالَ‏:‏ هُمُ الْخَدَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سَلَّامٌ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ ثني سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْبَنِينُ وَبَنِي الْبَنِينَ، مَنْ أَعَانَكَ مِنْ أَهْلٍ وَخَادِمٍ فَقَدْ حَفَدَكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ هُمُ الْخَدَمُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا‏:‏ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخَدَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ ابْنُهُ وَخَادِمُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا وَخُدَّامًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا زَمْعَةُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخَدَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ‏:‏ ابْنُهُ وَخَادِمُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ مَهَنَةً يَمْهِنُونَكَ وَيَخْدِمُونَكَ مِنْ وَلَدِكَ، كَرَامَةً أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ‏:‏ الْحَفَدَةُ، قَالَ‏:‏ الْأَعْوَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ مِنْ خَدَمِكَ مِنْ وَلَدِكَ وَوَلَدِ وَلَدِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخَدَمُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ وَلَدُهُ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمْ وَلَدُ الرَّجُلِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏وَحَفَدَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْبَنُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ بُنُوكَ حِينَ يَحْفِدُونَكَ وَيَرْفِدُونَكَ وَيُعِينُونَكَ وَيَخْدِمُونَكَ، قَالَ حُمَيْدٌ‏:‏

حَـفَدَ الْوَلَائِـدُ حَـوْلَهُنَّ وَأُسْـلِمَتْ *** بِـأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّـةُ الْأَجْمَـالِ

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الْخَدَمُ مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ هُمْ وَلَدُهُ، وَهُمْ يَخْدِمُونَهُ؛ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ تَكُونُ الْعَبِيدُ مِنَ الْأَزْوَاجِ، كَيْفَ يَكُونُ مِنْ زَوْجِي عَبْدٌ، إِنَّمَا الْحَفَدَةُ‏:‏ وَلَدُ الرَّجُلِ وَخَدَمُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ يَعْنِي‏:‏ وَلَدَ الرَّجُلِ يَحْفِدُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِنَّمَا تَخْدِمُهُمْ أَوْلَادُهُمُ الذُّكُورُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمْ بَنُو امْرَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنْي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَنُو امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَيْسُوا مِنْهُ، وَيُقَالُ‏:‏ الْحَفَدَةُ‏:‏ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ، يَقُولُ‏:‏ فُلَانٌ حَفَدٌ لَنَا، وَيَزْعُمُ رِجَالٌ أَنَّ الْحَفَدَةَ أَخْتَانُ الرَّجُلِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ مُعَرِّفَهُمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، فِيمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْبَنِينَ، فَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً، وَالْحَفَدَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ جَمْعُ حَافِدٍ، كَمَا الْكَذَبَةُ‏:‏ جَمْعُ كَاذِبٍ، وَالْفَسَقَةُ‏:‏ جَمْعُ فَاسِقٍ‏.‏ وَالْحَافِدُ فِي كَلَامِهِمْ؛ هُوَ الْمُتَخَفِّفُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ‏.‏ وَالْحَفْدُ‏:‏ خِفَّةُ الْعَمَلِ يُقَالُ‏:‏ مَرَّ الْبَعِيرُ يَحْفِدُ حَفَدَانًا‏:‏ إِذَا مَرَّ يُسْرِعُ فِي سَيْرِهِ‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏"‏إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ‏"‏‏:‏ أَيْ نُسْرِعُ إِلَى الْعَمَلِ بِطَاعَتِكَ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ حَفَدَ لَهُ يَحْفِدُ حَفْدًا وَحُفُودًا وَحَفَدَانًا وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي‏:‏

كَـلَّفْتُ مَجْهُولَهَـا نُوقًـا يَمَانِيَـةً *** إِذَا الْحُـدَاةُ عَـلَى أَكْسَـائِهَا حَـفَدُوا

وَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْحِفْدَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمُ الْمُسْرِعُونَ فِي خِدْمَةِ الرَّجُلِ، الْمُتَخَفِّفُونَ فِيهَا، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّ مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ لَنَا حَفَدَةً تَحْفِدُ لَنَا، وَكَانَ أَوْلَادُنَا وَأَزْوَاجُنَا الَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْخِدْمَةِ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا وَأَخْتَانِنَا الَّذِينَ هُمْ أَزْوَاجُ بَنَاتِنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَخَدَمِنَا مِنْ مَمَالِيكِنَا إِذَا كَانُوا يَحْفِدُونَنَا، فَيَسْتَحِقُّونَ اسْمَ حَفَدَةٍ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى دَلَّ بِظَاهِرِ تَنْـزِيلِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلَا بِحُجَّةِ عَقْلٍ، عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ نَوْعًا مِنَ الْحِفْدَةِ، دُونَ نَوْعٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ قَدْ أَنْعَمَ بِكُلِّ ذَلِكَ عَلَيْنَا، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُوَجِّهَ ذَلِكَ إِلَى خَاصٍّ مِنَ الْحِفْدَةِ دُونَ عَامٍّ، إِلَّا مَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِمْ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلِكُلِّ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا وَجْهٌ فِي الصِّحَّةِ، وَمَخْرَجٌ فِي التَّأْوِيلِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ مَا اخْتَرْنَا، لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الدَّلِيلِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَرَزَقَكُمْ مِنْ حَلَالِ الْمَعَاشِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْأَقْوَاتِ، ‏{‏أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ، فَيُصَدِّقُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ ‏{‏وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَبِمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِإِحْلَالِهِ، يَكْفُرُونَ، يَقُولُ‏:‏ يُنْكِرُونَ تَحْلِيلَهُ، وَيَجْحَدُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونِهِ أَوْثَانًا لَا تَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ، لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إِنْـزَالِ قَطْرٍ مِنْهَا لِإِحْيَاءِ مَوْتَانِ الْأَرْضِينَ، وَالْأَرْضُ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَمْلِكُ لَهُمْ أَيْضًا رِزْقًا مِنَ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ نَبَاتِهَا وَثِمَارِهَا لَهُمْ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا عَدَّدَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ ‏{‏وَلَا يَسْتَطِيعُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَمْلِكُ أَوْثَانُهُمْ شَيْئًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، بَلْ هِيَ وَجَمِيعُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لِلَّهِ مُلْكٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَا تُمَثِّلُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ، وَلَا تُشَبِّهُوا لَهُ الْأَشْبَاهَ، فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا شِبْهَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ الْأَمْثَالُ الْأَشْبَاهُ‏.‏

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ‏}‏ يَعْنِي اتِّخَاذَهُمُ الْأَصْنَامَ، يَقُولُ‏:‏ لَا تَجْعَلُوا مَعِي إِلَهًا غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ الْأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا تَمْلِكُ لِمَنْ يَعْبُدُهَا رِزْقًا وَلَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ‏}‏ فَإِنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ يَعْلَمُ خَطَأَ مَا تُمَثِّلُونَ وَتَضْرِبُونَ مِنَ الْأَمْثَالِ وَصَوَابَهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صَوَابَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي النَّاصِبِ قَوْلَهُ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرِّزْقِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى‏:‏ لَا يَمْلِكُونَ رِزْقًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ نَصْبُ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ بِوُقُوعِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا‏}‏ أَيْ تَكْفِتُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الرِّزْقُ مَعَ الشَّيْءِ لَجَازَ خَفْضُهُ، لَا يَمْلِكُ لَكُمْ رِزْقَ شَيْءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ، وَمِثْلُهُ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَشَبَّهَ لَكُمْ شَبَهًا أَيُّهَا النَّاسُ لِلْكَافِرِ مِنْ عَبِيدِهِ، وَالْمُؤْمِنِ بِهِ مِنْهُمْ‏.‏ فَأَمَّا مَثَلُ الْكَافِرِ‏:‏ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يَأْتِي خَيْرًا، وَلَا يُنْفِقُ فِي شَيْءٍ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَالَهُ لِغَلَبَةِ خِذْلَانِ اللَّهِ عَلَيْهِ، كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ، الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَيُنْفِقُهُ‏.‏ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيُنْفِقُ فِي سَبِيلِهِ مَالَهُ كَالْحُرِّ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفَقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، يَقُولُ‏:‏ بِعِلْمٍ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِ عِلْمٍ ‏{‏هَلْ يَسْتَوُونَ‏}‏ يَقُولُ هَلْ يَسْتَوِي الْعَبْدُ الَّذِي لَا يِمْلِكُ شَيْئًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحُرُّ الَّذِي قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ كَمَا وَصَفَ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِرُ الْعَامِلُ بِمَعَاصِي اللَّهِ الْمُخَالِفُ أَمْرَهُ، وَالْمُؤْمِنُ الْعَامِلُ بِطَاعَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، رَزَقَهُ مَالًا فَلَمْ يُقَدِّمْ فِيهِ خَيْرًا وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا‏}‏ فَهَذَا الْمُؤْمِنُ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَخَذَ بِالشُّكْرِ وَمَعْرِفَةِ حَقِّ اللَّهِ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى مَا رَزَقَهُ الرِّزْقَ الْمُقِيمَ الدَّائِمَ لِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا‏}‏ وَاللَّهِ مَا يَسْتَوِيَانِ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْكَافِرُ لَا يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يُنْفِقُ خَيِّرًا ‏{‏وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُؤْمِنُ يُطِيعُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الْكَافِرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْفِقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏{‏وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا‏}‏ يَعْنِي الْمُؤْمِنَ، وَهَذَا الْمَثَلُ فِي النَّفَقَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ الْحَمْدُ الْكَامِلُ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ مَا تَدْعُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ فَإِيَّاهُ فَاحْمَدُوا دُونَهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا الْأَمْرُ كَمَا تَفْعَلُونَ، وَلَا الْقَوْلُ كَمَا تَقُولُونَ، مَا لِلْأَوْثَانِ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدٍ وَلَا مَعْرُوفٍ فَتُحْمَدُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ بِمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ يَجْعَلُونَهَا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْحَمْدِ‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ‏:‏ ضَرَبَ اللَّهُ هَذَا الْمَثَلَ، وَالْمَثَلَ الْآخَرَ بَعْدَهُ لِنَفْسِهِ، وَالْآلِهَةِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

وَهَذَا مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَالْآلِهَةِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ يَعْنِي بِذَلِكَ الصَّنَمَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَلَا يَنْطِقُ، لِأَنَّهُ إِمَّا خَشَبٌ مَنْحُوتٌ، وَإِمَّا نُحَاسٌ مَصْنُوعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ لِمَنْ خَدَمَهُ، وَلَا دَفْعِ ضُرِّ عَنْهُ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ عِيَالٌ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ وَحُلَفَائِهِ وَأَهْلِ وِلَايَتِهِ، فَكَذَلِكَ الصَّنَمُ كَلٌّ عَلَى مَنْ يَعْبُدُهُ، يَحْتَاجُ أَنْ يَحْمِلَهُ، وَيَضَعَهُ وَيَخْدِمَهُ، كَالْأَبْكَمِ مِنَ النَّاسِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَهُوَ كَلٌّ عَلَى أَوْلِيَائِهِ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ وَغَيْرِهِمْ ‏{‏أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حَيْثُمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ، لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ، فَهُوَ لَا يُفْهَمُ، وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ الصَّنَمُ، لَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ، فَيَأْتَمِرُ لِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَنْطِقُ فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْأَبْكَمُ الْكَلُّ عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ حَيْثُ تُوَجِّهُ وَمَنْ هُوَ نَاطِقٌ مُتَكَلِّمٌ يَأْمُرُ بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الَّذِي يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، يَقُولُ‏:‏ لَا يَسْتَوِي هُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَالصَّنَمُ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وُصِفَ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ مَعَ أَمْرِهِ بِالْعَدْلِ، عَلَى طَرِيقٍ مِنَ الْحَقِّ فِي دُعَائِهِ إِلَى الْعَدْلِ، وَأَمْرِهِ بِهِ مُسْتَقِيمٌ، لَا يَعْوَجُّ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَزُولُ عَنْهُ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَضْرُوبِ لَهُ هَذَا الْمَثَلُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْوَثَنُ ‏{‏هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ‏{‏وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْمَثَلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَثَنِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا‏}‏ وَ ‏{‏رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ‏}‏ ‏{‏وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ هَذَا مَثَلُ إِلَهِ الْحَقِّ، وَمَا يُدْعَى مِنْ دُونِهِ مِنَ الْبَاطِلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كِلَا الْمَثَلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ‏.‏ وَذَلِكَ قَوْلٌ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِِهِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْمَثَلِ الْآخَرِ‏:‏

فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، يَعْنِي بِالْأَبْكَمِ‏:‏ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ الْكَافِرَ، وَبُقُولِهِ ‏{‏وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ‏}‏ الْمُؤْمِنَ، وَهَذَا الْمَثَل فِي الْأَعْمَالِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارِ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السِّيلَحِينِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا‏}‏ قَالَ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَعَبْدِهِ‏.‏ وَفِي قَوْلِهِ ‏{‏مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْأَبْكَمُ الَّذِي أَيْنَمَا يُوَجَّهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ، ذَاكَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، كَانَ عُثْمَانُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَكْفُلُهُ وَيَكْفِيهِ الْمَئُونَةَ، وَكَانَ الْآخَرُ يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ وَيَأْبَاهُ وَيَنْهَاهُ عَنِ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ، فَنَـزَلَتْ فِيهِمَا‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَثَّلَ مَثَلَ الْكَافِرِ بِالْعَبْدِ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ، وَمَثَّلَ مِثْلَ الْمُؤْمِنِ بِالَّذِي رَزَقَهُ رِزْقًاحَسَنًا، فَهُوَ يُنْفِقُ مِمَّا رَزَقَهُ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلَّهِ مَثَلًا إِذْ كَانَ اللَّهُ إِنَّمَا مَثَّلَ الْكَافِرَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْزُقْهُ رِزْقًا يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا؛ وَمَثَّلَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي وَفَّقَهُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ فَهَدَاهُ لِرُشْدِهِ، فَهُوَ يَعْمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ، كَالْحُرِّ الَّذِي بَسَطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هُوَ الرَّازِقُ غَيْرُ الْمَرْزُوقِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُمَثِّلَ إِفْضَالَهُ وَجُودَهُ بِإِنْفَاقِ الْمَرْزُوقِ الرِّزْقَ الْحَسَنَ، وَأَمَّا الْمَثَلُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ تَمْثِيلٌ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَنْ مَثَلُهُ الْأَبْكَمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَالْكُفَّارُ لَا شَكَّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ، وَمَنْ يَضُرُّ أَحْيَانًا الضُّرَّ الْعَظِيمَ بِفَسَادِهِ، فَغَيْرُ كَائِنٍ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَثَلًا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ تَمْثِيلُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمِثْلِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَذَلِكَ الْوَثَنُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، بِالْأَبْكَمِ الْكَلِّ عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا قَالَ وَوَصَفَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِلَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ مُلْكُ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِكُمْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ دُونَ آلِهَتِكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ، وَدُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ‏.‏ ‏{‏وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَمْرُ قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَالسَّاعَةِ الَّتِي تُنْشَرُ فِيهَا الْخَلْقُ لِلْوُقُوفِ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا كَنَظْرَةٍ مِنَ الْبَصَرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ‏}‏ وَالسَّاعَةُ‏:‏ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ أَقْرَبُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ كُنْ، فَهُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ فَأَمْرُ السَّاعَةِ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ أَقْرَبُ، يَعْنِي يَقُولُ‏:‏ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى إِقَامَةِ السَّاعَةِ فِي أَقْرَبِ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ قَادِرٌ، وَعَلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ بَعْدِ مَا أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا تَعْلَمُونَ، فَرَزَقَكُمْ عُقُولًا تَفْقَهُونَ بِهَا، وَتُمَيِّزُونَ بِهَا الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ وَبَصَّرَكُمْ بِهَا مَا لَمْ تَكُونُوا تُبْصِرُونَ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ الَّذِي تَسْمَعُونَ بِهِ الْأَصْوَاتَ، فَيَفْقَهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ مَا تَتَحَاوَرُونَ بِهِ بَيْنَكُمْ وَالْأَبْصَارَ الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا الْأَشْخَاصَ فَتَتَعَارَفُونَ بِهَا وَتُمَيِّزُونَ بِهَا بَعْضًا مِنْ بَعْضٍ‏.‏ ‏(‏وَالْأَفْئِدَةَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَالْقُلُوبَ الَّتِي تَعْرِفُونَ بِهَا الْأَشْيَاءَ فَتَحْفَظُونَهَا وَتُفَكِّرُونَ فَتَفْقَهُونَ بِهَا‏.‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِكُمْ، فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ، دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، فَجَعَلْتُمْ لَهُ شُرَكَاءَ فِي الشُّكْرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ شَرِيكٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا‏}‏ كَلَامٌ مُتَنَاهٍ، ثُمَّ ابْتُدِئَ الْخَبَرُ، فَقِيلَ‏:‏ وَجَعَلَ اللَّهُ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ‏.‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ الْعِبَادَةَ وَالسَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمُ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ‏:‏ أَلَمْ تَرَوْا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، يَعْنِي‏:‏ فِي هَوَاءِ السَّمَاءِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيُّ‏:‏

وَيْـلُ امِّهَـا مِـنْ هَـوَاءِ الْجَـوِّ طَالِبَةً *** وَلَا كَهَـذَا الَّـذِي فِـي الْأَرْضِ مَطْلُوبُ

يَعْنِي‏:‏ فِي هَوَاءِ السَّمَاءِ‏.‏ ‏{‏مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا طَيَرَانِهَا فِي الْجَوِّ إِلَّا بِاللَّهِ، وَبِتَسْخِيرِهِ إِيَّاهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ سَلَبَهَا مَا أَعْطَاهَا مِنَ الطَّيَرَانِ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ ارْتِفَاعًا‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ فِي تَسْخِيرِ اللَّهِ الطَّيْرَ، وَتَمْكِينِهِ لَهَا الطَّيَرَانَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، لِعَلَامَاتٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَاحَظَّ لِلْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ فِي الْأُلُوهَةِ ‏{‏لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ لِقَوْمٍ يُقِرُّونَ بِوِجْدَانِ مَا تُعَايِنُهُ أَبْصَارُهُمُ، وَتُحِسُّهُ حَوَاسِّهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ‏}‏‏:‏ أَيْ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ‏}‏ أَيُّهَا النَّاسُ، ‏{‏مِنْ بُيُوتِكُمُ‏}‏ الَّتِي هِيَ مِنَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، ‏(‏سَكَنًا‏)‏ تَسْكُنُونَ أَيَّامَ مَقَامِكُمْ فِي دُورِكُمْ وَبِلَادِكُمْ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا‏}‏ وَهِيَ الْبُيُوتُ مِنَ الْأَنْطَاعِ وَالْفَسَاطِيطُ مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ‏.‏ ‏{‏تَسْتَخِفُّونَهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَسْتَخِفُّونَ حَمْلَهَا وَنَقْلَهَا، ‏{‏يَوْمَ ظَعْنِكُمْ‏}‏ مِنْ بِلَادِكُمْ وَأَمْصَارِكُمْ لِأَسْفَارِكُمْ، ‏{‏وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ‏}‏ فِي بِلَادِكُمْ وَأَمْصَارِكُمْ‏.‏ ‏{‏وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى السَّكَنَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ تَسْكُنُونَ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا الْأَشْعَارُ فَجَمْعُ شَعْرٍ تُثْقَّلُ عَيْنُهُ وَتُخَفَّفُ، وَوَاحِدُ الشَّعْرِ شَعْرَةٌ‏.‏ وَأَمَّا الْأَثَاثُ فَإِنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ فِي أَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِثْلُ الْمَتَاعِ‏.‏ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ وَاحِدُ الْأَثَاثِ أَثَاثَةٌ وَلَمْ أَرَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْأَثَاثَ هُوَ الْمَتَاعُ، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

أَهَـاجَتْكَ الظَّعَـائِنُ يَـوْمَ بـانُوا *** بِـذِي الـرِّئْيِ الْجَـمِيلِ مِـنَ الْأَثَـاثِ

وَيُرْوَى‏:‏ بِذِي الزِّيِّ، وَأَنَا أَرَى أَصْلَ الْأَثَاثِ اجْتِمَاعُ بَعْضِ الْمَتَاعِ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْثُرَ كَالشَّعْرِ الْأَثِيثِ وَهُوَ الْكَثِيرُ الْمُلْتَفُّ، يُقَالُ مِنْهُ، أَثَّ شَعْرُ فُلَانٍ يَئِثُّ أَثًّا‏:‏ إِذَا كَثُرَ وَالْتَفَّ وَاجْتَمَعَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏(‏أَثَاثًا‏)‏ يَعْنِي بِالْأَثَاثِ‏:‏ الْمَالَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏أَثَاثًا‏)‏ قَالَ‏:‏ مَتَاعًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏أَثَاثًا‏)‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْمَالُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَرْبٍ الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏أَثَاثًا‏)‏ قَالَ‏:‏ الثِّيَابُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ بَلَاغًا، يَتَبَلَّغُونَ وَيَكْتَفُونَ بِهِ إِلَى حِينِ آجَالِهِمْ لِلْمَوْتِ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ زِينَةً، يَقُولُ‏:‏ يَنْتَفِعُونَ بِهِ إِلَى حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى الْمَوْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏ إِلَى أَجَلٍ وَبِلُغَةٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًاوَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا ظِلَالًا تَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهِيَ جَمْعُ ظِلٍّ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُكْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرٍو، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّجَرُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا‏}‏ إِي وَاللَّهِ، مِنَ الشَّجَرِ وَمِنْ غَيْرِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ مَوَاضِعَ تَسْكُنُونَ فِيهَا، وَهِيَ جَمْعُ كِنٍّ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏(‏‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ غِيرَانًا مِنَ الْجِبَالِ يُسْكَنُ فِيهَا‏.‏

‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‏}‏ يَعْنِي ثِيَابَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَقُمُصَهَا‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‏}‏ مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَدُرُوعًا تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ، وَالْبَأْسُ‏:‏ هُوَ الْحَرْبُ، وَالْمَعْنَى‏:‏ تَقِيكُمْ فِي بَأْسِكُمُ السِّلَاحَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ‏}‏ مِنْ هَذَا الْحَدِيدِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ سَرَابِيلُ مِنْ حَدِيدٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَمَا أَعْطَاكُمْ رَبُّكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي وَصَفَهَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ نِعْمَةً مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، فَكَذَا يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لِتَخْضَعُوا لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَتَذِلُّ مِنْكُمْ بِتَوْحِيدِهِ النُّفُوسُ، وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ‏(‏لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏)‏ بِفَتْحِ التَّاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي مِنَ الْجِرَاحِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِبَادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا‏:‏ ‏(‏لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ‏)‏ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ‏:‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ‏:‏ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنَ السَّرَابِيلِ الَّتِي تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ، لِتَسْلَمُوا مِنَ السِّلَاحِ فِي حُرُوبِكُمْ، وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏}‏ وَكَسْرِ اللَّامِ مَنْ أَسْلَمْتَ تُسْلِمُ يَا هَذَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ، فَخَصَّ بِالذَّكَرِ الْحَرَّ دُونَ الْبَرْدِ، وَهِيَ تَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، أَمْ كَيْفَ قِيلَ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا‏}‏ وَتَرْكِ ذِكْرِ مَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ السَّهْلِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ قَدِ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ جَاءَ التَّنْـزِيلُ كَذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَدُلُّ عَلَى أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏.‏

فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ إِنَّمَا نَـزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا‏}‏ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ السُّهُولِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ جِبَالٍ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏‏؟‏ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ وَبَرٍ وَشَعْرٍ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ‏}‏ يُعْجِبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ وَمَا أَنْـزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ بِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‏}‏ وَمَا تَقِي مِنَ الْبَرْدِ، أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ‏؟‏ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ، فَالسَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ السَّرَابِيلَ بِأَنَّهَا تَقِي الْحَرَّ دُونَ الْبَرْدِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، هُوَ أَنَّ الْمُخَاطِبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَقِيهِمْ مَكْرُوهَ مَا بِهِ عَرَفُوا مَكْرُوهَهُ دُونَ مَا لَمْ يَعْرِفُوا مَبْلَغَ مَكْرُوهِهِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْرُفِ الْأُخَرِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ذَكَرَ ذَلِكَ خَاصَّةً اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا مِنْ ذِكْرِ الْآخَرِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ مَعْنَاهُ، وَأَنَّ السَّرَابِيلَ الَّتِي تَقِي الْحَرَّ تَقِي أَيْضًا الْبَرْدَ وَقَالُوا‏:‏ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُسْتَعْمِلٌ، وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

وَمَـا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْـتُ وَجْهًـا *** أُرِيـدُ الخَـيْرَ أيُّهُمَـا يَلِينِـي

فَقَالَ‏:‏ أَيُّهُمَا يَلِينِي‏:‏ يُرِيدُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْرَ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْخَيْرَ فَهُوَ يَتَّقِي الشَّرَّ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْقَوْمَ خُوطِبُوا عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ بَعْضِ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا تَرَكَ ذِكْرَهُ لِمَنْ عَرَفَ الْمَذْكُورَ وَالْمَتْرُوكَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا عَدَّدَ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الَّذِينَ قُصِدُوا بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَذَكَرَ أَيَادِيَهُ عِنْدَهُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏82- 83‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ عَمًّا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ، فَمَا عَلَيْكَ مِنْ لَوْمٍ وَلَا عَذَلٍ لِأَنَّكَ قَدْ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا بَلَاغُهُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ‏.‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏(‏الْمُبِينُ‏)‏ الَّذِي يَبِينُ لِمَنْ سَمِعَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ‏.‏

وَأَمَّاقَوْلُهُ ‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا‏}‏فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَهَا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفُوا نَبُّوتَهُ ثُمَّ جَحَدُوهَا وَكَذَّبُوهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ السُّدِّيِّ ‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا عَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ النِّعَمِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْمَسَاكِنُ وَالْأَنْعَامُ وَمَا يُرْزَقُونَ مِنْهَا، وَالسَّرَابِيلُ مِنَ الْحَدِيدِ وَالثِّيَابِ، تَعَرِفُ هَذَا كَفَّارُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ تُنْكِرُهُ بِأَنْ تَقُولَ‏:‏ هَذَا كَانَ لِآبَائِنَا، فَرَوَّحُونَا إِيَّاهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَوَرَّثُونَا إِيَّاهَا‏.‏ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ، فَهُوَ مَعْرِفَتُهُمْ نِعْمَتَهُ ثُمَّ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهَا وَكُفْرُهُمْ بَعْدُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهَا، أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ‏:‏ لَوْلَا فُلَانٌ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْلَا فُلَانٌ مَا أَصَبْتُ كَذَا وَكَذَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ‏:‏ مَنْ رَزَقَكُمْ‏؟‏ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَهُمْ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ رَزَقَنَا ذَلِكَ بِشَفَاعَةِ آلِهَتِنَا‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ‏}‏ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَى مَا بَعَثَهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بَيْنَ آيَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا بُعِثَ بِهِ، فَأَوْلَى مَا بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى انْصِرَافِهِ عَمَّا قَبْلَهُ وَعَمًّا بَعْدَهُ فَالَّذِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا‏}‏ وَمَا بَعْدَهُ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا‏}‏ وَهُوَ رَسُولُهَا‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ بِكَ، ثُمَّ يُنْكِرُونَكَ وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَكَ ‏{‏وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَكْثَرُ قَوْمِكَ الْجَاحِدُونَ نُبُوَّتِكَ، لَا الْمُقِرُّونَ بِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا الْيَوْمَ وَيَسْتَنْكِرُونَ ‏{‏يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا‏}‏ وَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَيْهَا بِمَا أَجَابَتْ دَاعِيَ اللَّهِ، وَهُوَ رَسُولُهُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ‏{‏ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينِ كَفَرُوا فِي الِاعْتِذَارِ، فَيَعْتَذِرُوا مِمَّا كَانُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ يَكْفُرُونَ ‏{‏وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏}‏ فَيَتْرُكُوا الرُّجُوعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُنِيبُوا وَيَتُوبُوا وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا‏}‏ وَشَاهِدُهَا نَبِيُّهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا عَايَنَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَحَدُوا نُبُوَّتَكَ وَالْأُمَمَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجِ مُشْرِكِي قَوْمِكَ عَذَابَ اللَّهِ، فَلَا يُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ، فَيَعْتَذِرُونَ، فَيُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ بِالْعُذْرِ الَّذِي يَدْعُونَهُ، ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا يُرْجَئُونَ بِالْعِقَابِ، لِأَنَّ وَقْتَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ قَدْ فَاتَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْتًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ وَقْتٌ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، فَلَا يُنْظَرُ بِالْعِتَابِ لِيَعْتِبَ بِالتَّوْبَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالُوا‏:‏ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا فِي الْكُفْرِ بِكَ، وَالشُّرَكَاءُ الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏(‏فَأَلْقَوْا‏)‏ يَعْنِي‏:‏ شُرَكَاءَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، الْقَوْلَ، يَقُولُ‏:‏ قَالُوا لَهُمْ‏:‏ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكِينَ، مَا كُنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ؛ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثُوهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ إِلَى اللَّهِ يَوْمئِذٍ السُّلَّمَ يَقُولُ‏:‏ اسْتَسْلَمُوا يَوْمئِذٍ وَذَلُّوا لِحُكْمِهِ فِيهِمْ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَدْعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ، وَلَا قَوْمُهُمْ، وَلَا عَشَائِرُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُدَافِعُونَ عَنْهُمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ أَلْقَيْتُ إِلَيْهِ كَذَا تَعْنِي بِذَلِكَ قُلْتُ لَهُ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَخْطَأَهُمْ مِنْ آلِهَتِهِمْ مَا كَانُوا يَأْمُلُونَ مِنَ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ بِالنَّجَاةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ذَلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمئِذٍ ‏{‏وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الَّذِينَ جَحَدُوا يَا مُحَمَّدُ نُبُوَّتَكَ وَكَذَّبُوكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، وَصَدُّوا عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَمَنْ أَرَادَهُ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ فَوْقَ الْعَذَابِ الَّذِي هُمْ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُزَادُوهُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَزِيدَهُمُوهَا عَقَارِبُ وَحَيَّاتٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِالْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَقَارِبُ لَهَا أَنْيَابٌ كَالنَّخْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ زِيدُوا عَقَارِبَ لَهَا أَنْيَابٌ كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ‏.‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَوْزَجَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ‏{‏زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَفَاعِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ أَفَاعِي فِي النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ إِنَّ لِجَهَنَّمَ جِبَابًا فِيهَا حَيَّاتٌ أَمْثَالُ الْبُخْتِ وَعَقَارِبُ أَمْثَالُ الْبِغَالِ الدَّهْمِ، يَسْتَغِيثُ أَهْلُ النَّارِ إِلَى تِلْكَ الْجِبَابِ أَوِ السَّاحِلِ، فَتَثِبُ إِلَيْهِمْ فَتَأْخُذُ بِشِفَاهِهِمْ وَشِفَارِهِمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ مِنْهَا إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُونَ‏:‏ النَّارَ النَّارَ، فَتَتْبَعُهُمْ حَتَّى تَجِدَ حَرَّهَا فَتَرْجِعُ، قَالَ‏:‏ وَهِيَ فِي أَسْرَابٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَبْلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ إِنَّ لِجَهَنَّمَ سَوَاحِلُ فِيهَا حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ زِدْنَاهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ، بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْصُونَ اللَّهَ، وَيَأْمُرُونَ عِبَادَهُ بِمَعْصِيَتِهِ، فَذَلِكَ كَانَ إِفْسَادُهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ يَا مَالِكَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًاعَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نَسْأَلُ نَبِيَّهُمُ الَّذِي بَعَثْنَاهُ إِلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتِنَا، وَقَالَ ‏(‏مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏)‏ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَانَ يَبْعَثُ إِلَى أُمَمِ أَنْبِيَاءِهَا مِنْهَا‏:‏ مَاذَا أَجَابُوكُمْ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكُمْ ‏{‏وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ‏}‏ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَجِئْنَا بِكَ يَا مُحَمَّدُ شَاهِدًا عَلَى قَوْمِكَ وَأُمَّتِكَ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ بِمَا أَجَابُوكَ، وَمَاذَا عَمِلُوا فِيمَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نُـزِّلَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ بَيَانًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ‏(‏وَهُدًى‏)‏ مِنَ الضَّلَالِ ‏(‏وَرَحْمَةً‏)‏ لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ‏{‏وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَبِشَارَةٌ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَخَضَعَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَذْعَنَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، يُبَشِّرُهُ بِجَزِيلِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏تِبْيَانًا لِكُلِ شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أُمِرَ بِهِ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَنُهُوا عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ أُنْـزِلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ وَكُلُّ شَيْءٍ قَدْ بُيِّنَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ‏.‏ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ الْإِنْصَافُ، وَمِنَ الْإِنْصَافِ‏:‏ الْإِقْرَارُ بِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى إِفْضَالِهِ، وَتُوَلِّي الْحَمْدَ أَهْلَهُ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ عِنْدَنَا يَدٌ تَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا، كَانَ جَهْلًا بِنَا حَمْدُهَا وَعِبَادَتُهَا، وَهِيَ لَا تُنْعِمُ فَتُشْكَرُ، وَلَا تَنْفَعُ فَتُعْبَدُ، فَلَزِمَنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ‏:‏ الْعَدْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَوْلُهُ وَالْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْإِحْسَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ‏:‏ الصَّبْرُ لِلَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالْمَكْرَهُ وَالْمَنْشَطِ، وَذَلِكَ هُوَ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏وَالْإِحْسَانِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِعْطَاءِ ذِي الْقُرْبَى الْحَقَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيٌّ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الْأَرْحَامَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْفَحْشَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الزِّنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الزِّنَا‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَحْشَاءِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏وَالْبَغْيِ‏)‏ قِيلَ‏:‏ عُنِيَ بِالْبَغْيِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْكِبْرَ وَالظُّلْمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏وَالْبَغْيِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ‏.‏وَأَصْلُ الْبَغْيِ‏:‏ التَّعَدِّي وَمُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ وَالْحَدِّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُذَكِّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ لِتَذْكُرُوا فَتُنِيبُوا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏يَعِظُكُمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ يُوصِيكُمْ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ مَعْنَى الْعَدْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِوَاءُ السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ مِنْ كُلِّ عَامِلٍ لِلَّهِ عَمَلًا وَإِنَّ مَعْنَى الْإِحْسَانِ‏:‏ أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عَلَانِيَتِهِ، وَإِنَّ الْفَحْشَاءَ وَالْمُنْكَرَ أَنْ تَكُونَ عَلَانِيَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ سَرِيرَتِهِ‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ‏:‏ ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ النُّعْمَانِ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ سُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ أَوْ لِشَرٍّ، آيَةٌ فِي سُورَةِ النَّحْلِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ‏.‏ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَفَاسِفِ الْأَخْلَاقِ وَمَذَامِّهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَوْفُوا بِمِيثَاقِ اللَّهِ إِذَا وَاثَقْتُمُوهُ، وَعَقْدِهِ إِذَا عَاقَدْتُمُوهُ، فَأَوْجَبْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ حَقًّا لِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ بِهِ وَوَاثَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُخَالِفُوا الْأَمْرَ الَّذِي تَعَاقَدْتُمْ فِيهِ الْأَيْمَانَ، يَعْنِي بَعْدَ مَا شَدَدْتُمُ الْأَيْمَانَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَتَحْنَثُوا فِي أَيْمَانِكُمْ وَتَكْذِبُوا فِيهَا وَتَنْقُضُوهَا بَعْدَ إِبْرَامِهَا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ وَكَّدَ فُلَانٌ يَمِينَهُ يُوَكِّدُهَا تَوْكِيدًا‏:‏ إِذَا شَدَّدَهَا وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَمَّا أَهْلُ نَجْدٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ أَكَّدْتُهَا أُؤَكِّدُهَا تَأْكِيدًا‏.‏وَقَوْلُهُ ‏{‏وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا‏}‏يَقُولُ‏:‏ وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ بِالْوَفَاءِ بِمَا تَعَاقَدْتُمْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ رَاعِيًا يَرْعَى الْمُوَفِّي مِنْكُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَاهَدَ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَالنَّاقِضُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنِهِمْ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَفِيمَا أُنْـزِلَتْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهَا الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِيهِمْ أُنْـزِلَتْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو لَيْلَى، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مَنْ أَسْلَمَ بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ‏}‏ هَذِهِ الْبَيْعَة الَّتِي بَايَعْتُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ الْبَيْعَةَ، فَلَا يَحْمِلُكُمْ قِلَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَكَثْرَةُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ تَنْقُضُوا الْبَيْعَةَ الَّتِي بَايَعْتُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قِلَّةٌ وَالْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ كَثْرَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي الْحِلْفِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ تَحَالَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُوَفُّوا بِهِ وَلَا يَنْقُضُوهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ تَغْلِيظُهَا فِي الْحَلِفِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَعْدَ تَشْدِيدِهَا وَتَغْلِيظِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا حُلَفَاءَ لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا وَأَعْطَى بَعْضُهُمُ الْعَهْدَ، فَجَاءَهُمْ قَوْمٌ، فَقَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَكْثَرُ وَأَعَزُّ وَأَمْنَعُ، فَانْقَضُّوا عَهْدَ هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا فَفَعَلُوا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا‏}‏ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أُرَبَّى مِنْ أُمَّةٍ، هِيَ أَرْبَى أَكْثَرُ مِنْ أَجْلِ أَنْ كَانَ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أُولَئِكَ، نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ، فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعُهُودُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبَادَهُ بِالْوَفَاءِ بِعُهُودِهِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِآخَرِينَ بِعُقُودٍ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَقٍّ مِمَّا لَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَـزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْيِهِمْ عَنْ نَقْضِ بَيْعَتِهِمْ حَذَرًا مِنْ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْ تَكُونَ نَـزَلَتْ فِي الَّذِينَ أَرَادُوا الِانْتِقَالَ بِحِلْفِهِمْ عَنْ حُلَفَائِهِمْ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ فِي آخَرِينَ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَلَا خَبَرٌ تَثْبُتُ بِهِ الْحُجَّةُ أَنَّهَا نَـزَلَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ شَيْءٍ؛ وَلَا دَلَالَةَ فِي كِتَابٍ وَلَا حُجَّةَ عَقَلٍ أَيُّ ذَلِكَ عُنِيَ بِهَا، وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّا قُلْنَا لِدَلَالَةِ ظَاهِرِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ قَدْ نَـزَلَتْ لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهَا عَامًّا فِي كُلِّ مَا كَانَ بِمَعْنَى السَّبَبِ الَّذِي نَـزَلَتْ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَكِيلًا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ فِي الْعُهُودِ الَّتِي تُعَاهِدُونَ اللَّهَ مِنَ الْوَفَاءِ بِهَا وَالْأَحْلَافِ وَالْأَيْمَانِ الَّتِي تُؤَكِّدُونَهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، أَتَبَرُّونَ فِيهَا أَمْ تَنْقُضُونَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِكُمْ، مَحَّصَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ مُسَائِلُكُمْ عَنْهَا وَعَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهَا، يَقُولُ‏:‏ فَاحْذَرُوا اللَّهَ أَنْ تَلْقَوْهُ وَقَدْ خَالَفْتُمْ فِيهَا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًاتَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَاهِيًا عِبَادَهُ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، وَآمِرًا بِوَفَاءِ الْعُهُودِ، وَمُمَثِّلًا نَاقِضَ ذَلِكَ بِنَاقِضَةِ غَزْلِهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ وَنَاكَثَتِهِ مِنْ بَعْدِ إِحْكَامِهِ‏:‏ وَلَا تَكُونُوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي نَقْضِكُمْ أَيْمَانَكُمْ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَإِعْطَائِكُمُ اللَّهَ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ ‏{‏كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ بَعْدِ إِبْرَامٍ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ الْقُوَّةُ‏:‏ مَا غُزِلَ عَلَى طَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُثَنَّ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَمْقَاءُ مَعْرُوفَةٌ بِمَكَّةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ‏{‏كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَرْقَاءُ كَانَتْ بِمَكَّةَ تَنْقُضُهُ بَعْدَ مَا تُبْرِمُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ خَرْقَاءُ بِمَكَّةَ كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ، فَشَبَّهَهُ بِامْرَأَةٍ تَفْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ‏.‏ وَقَالُوا فِي مَعْنَى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ، نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا‏}‏ فَلَوْ سَمِعْتُمْ بِامْرَأَةٍ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِهِ لَقُلْتُمْ‏:‏ مَا أَحْمَقَ هَذِهِ‏!‏ وَهَذَا مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَكَثَ عَهْدَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَزْلَهَا‏:‏ حَبْلَهَا تَنْقُضُهُ بَعْدَ إِبْرَامِهَا إِيَّاهُ وَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَقَضَتْ حَبْلَهَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ قُوَّةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ الَّذِي يُعْطِيهِ، ضَرَبَ اللَّهُ هَذَا لَهُ مَثَلًا بِمِثْلِ الَّتِي غَزَلَتْ ثُمَّ نَقَضَتْ غَزْلَهَا، فَقَدْ أَعْطَاهُمْ ثُمَّ رَجَعَ، فَنَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏أَنْكَاثًا‏)‏ يَعْنِي‏:‏ أَنْقَاضًا، وَكُلُّ شَيْءٍ نُقِضَ بَعْدَ الْفَتْلِ فَهُوَ أَنْكَاثٌ، وَاحِدُهَا‏:‏ نَِكْثٌ حَبْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَزْلًا يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ نَكَثَ فُلَانٌ هَذَا الْحَبْلَ فَهُوَ يَنْكُثُهُ نَكْثًا، وَالْحَبْلُ مُنْتَكِثٌ‏:‏ إِذَا انْتَقَضَتْ قُوَاهُ‏.‏ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَكْثَ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ تَجْعَلُونَ أَيْمَانَكُمُ الَّتِي تَحْلِفُونَ بِهَا عَلَى أَنَّكُمْ مُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ ‏{‏دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ خَدِيعَةً وَغُرُورًا لِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ لَهُمُ الْغَدْرَ وَتَرْكَ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَالنُّقْلَةِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْهُمْ‏.‏ وَالدَّخَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ كُلُّ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ أَنَا أَعْلَمُ دَخَلَ فُلَانٍ وَدُخْلُلَهُ وَدَاخِلَةَ أَمْرِهِ وَدَخَلَتَهُ وَدَخِيلَتَهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَرْبَى‏:‏ أَفْعَلُ مِنَ الرِّبَا، يُقَالُ‏:‏ هَذَا أَرْبَى مِنْ هَذَا وَأَرْبَأُ مِنْهُ، إِذَا كَانَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

وَأَسْـمَرَ خَـطِّيٌّ كَـأَنَّ كُعُوبَـهُ *** نَوَى الْقَسْبِ قَدْ أَرْبَى ذِرَاعًا عَلَى الْعَشْرِ

وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ أَرْبَى فُلَانٌ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي يَزِيدُهَا عَلَى غَرِيمِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَكْثَرُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نَاسٌ أَكْثَرُ مِنْ نَاسٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ؛ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاءَ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ، وَيُحَالِفُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ خِيَانَةً وَغَدْرًا بَيْنَكُمْ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَوْمٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ خِيَانَةً بَيْنَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏}‏ يُغَرُّ بِهَا، يُعْطِيهِ الْعَهْدَ يُؤَمِّنُهُ وَيُنْـزِلُهُ مِنْ مَأْمَنِهِ، فَتَزِلَّ قَدَمُهُ وَهُوَ فِي مَأْمَنٍ، ثُمَّ يَعُودُ يُرِيدُ الْغَدْرَ، قَالَ‏:‏ فَأَوَّلُ بُدُوِّ هَذَا قَوْمٌ كَانُوا حُلَفَاءَ لِقَوْمٍ تَحَالَفُوا، وَأَعْطَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْعَهْدَ، فَجَاءَهُمْ قَوْمٌ قَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَكْثَرُ وَأَعَزُّ وَأَمْنَعُ، فَانْقَضُّوا عَهْدَ هَؤُلَاءِ وَارْجِعُوا إِلَيْنَا، فَفَعَلُوا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا‏}‏ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ هِيَ أَرْبَى‏:‏ أَكْثَرُ مِنْ أَجْلِ أَنْ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أُولَئِكَ نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ، فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا، وَكَانَ الْأَمْرُ الْآخَرُ فِي الَّذِي يُعَاهِدُهُ فَيُنْـزِلُهُ مِنْ حِصْنِهِ ثُمَّ يَنْكُثُ عَلَيْهِ، الْآيَةُ الْأُولَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهِيَ مَبْدَؤُهُ، وَالْأُخْرَى فِي هَذَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَكْثَرُ، يَقُولُ‏:‏ فَعَلَيْكُمْ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّمَا يَخْتَبِرُكُمُ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ، لِيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ مِنْكُمُ الْمُنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنَ الْعَاصِي الْمُخَالِفِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ‏{‏وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِيُبَيِّنُنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَيْهِ بِمُجَازَاةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ، ‏{‏مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ وَالَّذِي كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِاللَّهِ كَانَ يُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ، وَيُصَدِّقُ بِمَا ابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَكَانَ يُكَذِّبُ بِذَلِكَ كُلَّهُ الْكَافِرُ فَذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الدُّنْيَا الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْبَيَانِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَلَطَفَ بِكُمْ بِتَوْفِيَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَصِرْتُمْ جَمِيعًا جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَأَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَخْتَلِفُونَ وَلَا تَفْتَرِقُونَ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَالَفَ بَيْنَكُمْ، فَجَعَلَكُمْ أَهْلَ مِلَلٍ شَتَّى، بِأَنْ وَفَّقَ هَؤُلَاءِ لِلْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، فَكَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَخَذَلَ هَؤُلَاءِ فَحَرَمَهُمْ تَوْفِيقَهُ فَكَانُوا كَافِرِينَ، وَلَيَسْأَلْنَّكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، ثُمَّ لَيُجَازِيَنَّكُمْ جَزَاءَ الْمُطِيعِ مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَالْعَاصِي لَهُ بِمَعْصِيَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ بَيْنَكُمْ دَخَلَا وَخَدِيعَةً بَيْنَكُمْ، تَغُرُّونَ بِهَا النَّاسَ ‏{‏فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَتَهْلَكُوا بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ مِنَ الْهَلَاكِ آمِنِينَ‏.‏ وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ لِكُلِّ مُبْتَلًى بَعْدَ عَافِيَةٍ، أَوْ سَاقِطٍ فِي وَرْطَةٍ بَعْدَ سَلَامَةٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏زَلَّتْ قَدَمُهُ‏)‏، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

سَـيَمْنَعُ مِنْـكَ السَّـبْقُ إِنْ كُـنْتَ سَابِقًا *** وتُطْـلَـعُ إِنْ زَلَّـتْ بِـكَ النَّعْـلَانِ

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَتَذُوقُوا السُّوءَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَذُوقُوا أَنْتُمُ السُّوءَ وَذَلِكَ السُّوءُ‏:‏ هُوَ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي يُعَذِّبُ بِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بَعْضُ مَا عَذَّبَ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ ‏{‏بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِمَا فَتَنْتُمْ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنِ الْإِيمَانِ ‏{‏وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ نَارُ جَهَنَّمَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ بُرَيْدَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ‏}‏ وَالْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا، أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، عَنْ مُفَارَقَةِ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، وَكَثْرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الصَّوَابُ، دُونَ الَّذِي قَالَ مُجَاهِدٌ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي انْتِقَالِ قَوْمٍ تَحَالَفُوا عَنْ حُلَفَائِهِمْ إِلَى آخَرِينَ غَيْرِهِمْ، صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا ضَلَالٌ عَنِ الْهُدَى، وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَاعِلِي ذَلِكَ، أَنَّهُمْ بِاتِّخَاذِهِمُ الْأَيْمَانُ دَخَلَا بَيْنَهُمْ، وَنَقْضِهِمُ الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، صَادُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ لَا صِفَةَ أَهْلِ النُّقْلَةِ بِالْحَلِفِ عَنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏95- 96‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا تَنْقُضُوا عُهُودَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَعُقُودَكُمُ الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا مَنْ عَاقَدْتُمْ مُؤَكِّدِيهَا بِأَيْمَانِكُمْ، تَطْلُبُونَ بِنَقْضِكُمْ ذَلِكَ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلًا وَلَكِنْ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ، يُثِبْكُمُ اللَّهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ لَكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ، هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، فَضْلُ مَا بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا الثَّمَنُ الْقَلِيلُ، الَّذِي تَشْتَرُونَ بِنَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخَرُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ وَفَضْلَ مَا بَيْنَ الثَّوَابَيْنِ، فَقَالَ‏:‏ مَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِمَّا تَتَمَلَّكُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَثُرَ فَنَافِدٌ فَانٍ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَأَطَاعَهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ بَاقٍ غَيْرُ فَانٍ، فَلِمَا عِنْدَهُ فَاعْمَلُوا وَعَلَى الْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى فَاحْرِصُوا‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِيُثِيبَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، ثَوَابَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صَبْرِهِمْ عَلَيْهَا، وَمُسَارَعَتِهِمْ فِي رِضَاهُ، بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ دُونَ أَسْوَئِهَا، وَلَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَهُمْ سَيِّئَهَا بِفَضْلِهِ‏.‏