الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الحديث: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لَا أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ الْأَرْضِ الشرح: قوله: (باب) كذا في رواية الأصيلي وكريمة بلا ترجمة، وكذا قال الإسماعيلي " باب " بلا ترجمة، وسقط من رواية أبي ذر وأبي الوقت، وكذا لم يذكره أبو نعيم. وعلى هذا فمناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة، وعلى تقدير ثبوت لفظ باب فهو كالفصل من الباب الذي قبله كما قررناه غير مرة فله به تعلق أيضا. قال الكرماني: وجه المناسبة أن دعاء الافتتاح مستلزم لتطويل القيام، وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا. وأحسن منه ما قال ابن رشيد: يحتمل أن تكون المناسبة في قوله " حتى قلت أي رب أو أنا معهم " لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن خلافا لبعض الحنفية. قوله: (أو أنا معهم) كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة وهي على مقدر. وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة. قوله: (حسبت أنه قال تخدشها) قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث، بينه الإسماعيلي، فالضمير في " أنه " لابن أبي مليكة. قوله: (لا هي أطعمتها) سقط لفظ " هي " من رواية الكشميهني والحموي. قوله: (تأكل من خشيش - أو خشاش - الأرض) كذا في هذه الرواية على الشك، وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول والمراد حشرات الأرض، وأنكر الخطابي رواية خشيش، وضبطها بعضهم بضم أوله على التصغير من لفظ خشاش، فعلى هذا لا إنكار، ورواها بعضهم بحاء مهملة. وقال عياض هو تصحيف. وسيأتي الكلام على بقية فوائده في كتاب الكسوف، وعلى قصة المرأة صاحبة الهرة في كتاب بدء الخلق إن شاء الله تعالى. *3* وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ الشرح: قوله: (باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة) قال الزين بن المنير: نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات كان ذلك من إصلاح صلاته. وقال ابن بطال: فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة. وقال الشافعي والكوفيون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب للخشوع، وورد في ذلك حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي موصولا وقال: المرسل هو المحفوظ. وفيه أن ذلك سبب نزول قوله تعالى ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم. إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام، والله أعلم. قوله: (وقالت عائشة الخ) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في " باب إذا انفلتت الدابة " وهو في أواخر الصلاة، وموضع الترجمة منه قوله " حين رأيتموني". الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ الشرح: قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل، وعبد الواحد هو ابن زياد. قوله: (عن عمارة) في رواية حفص بن غياث عن الأعمش " حدثنا عمارة " وسيأتي بعد أربعة أبواب، ويأتي الكلام على المتن قريبا، وموضع الترجمة منه قوله " باضطراب لحيته". الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ الشرح: قوله: (حدثنا حجاج) هو ابن منهال، ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد. وقد تقدم الكلام على حديث البراء في " باب متى يسجد من خلف الإمام " ووقع فيه هنا في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما " حتى يرونه قد سجد " بإثبات النون. وفي رواية أبي ذر والأصيلي بحذفها وهو أوجه، وجاز الأول على إرادة الحال. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ قَالَ إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا الشرح: حديث ابن عباس يأتي في الكسوف، وهو ظاهر المناسبة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلَاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ثَلَاثًا الشرح: حديث أنس يأتي في الرقاق وفيه التصريح بسماع هلال له من أنس. واعترض الإسماعيلي على إيراده له هنا فقال: ليس فيه نظر المأمومين إلى الإمام. وأجيب بأن فيه أن الإمام يرفع بصره إلى ما أمامه، وإذا ساغ ذلك للإمام ساغ للمأموم. والذي يظهر لي أن حديث أنس مختصر من حديث ابن عباس، وأن القصة فيهما واحدة، فسيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال " رأيت الجنة والنار " كما قال في حديث أنس، وقد قالوا له في حديث ابن عباس " رأيناك تكعكعت " فهذا موضع الترجمة، ويحتمل أن يكون مأخوذا من قوله " فأشار بيده قبل قبلة المسجد " فإن رؤيتهم الإشارة تقتضي أنهم كانوا يراقبون أفعاله. قلت: لكن يطرق هنا احتمال أن يكون سبب رفع بصرهم إليه وقوع الإشارة منه، لا أن الرفع كان مستمرا. ويحتمل أن يكون المراد بالترجمة أن الأصل نظر المأموم إلى موضع سجوده لأنه المطلوب في الخشوع إلا إذا احتاج إلى رؤية ما يفعله الإمام ليقتدي به مثلا، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة) قال ابن بطال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة. قال عياض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ الشرح: قوله: (حدثنا قتادة) فيه دفع لتعليل ما أخرجه ابن عدي في الكامل فأدخل بين سعيد بن أبي عروبة وقتادة رجلا، وقد أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد - وهو من أثبت أصحابه - وزاد في أوله بيان سبب هذا الحديث ولفظه " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بأصحابه، فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه " فذكره، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا لم يذكر نسا، وهي علة غير قادحة لأن سعيدا أعلم بحديث قتادة من معمر، وقد تابعه همام على وصله عن قتادة أخرجه السراج. قوله: (في صلاتهم) زاد مسلم من حديث أبي هريرة " عند الدعاء " فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة. وقد أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عمر بغير تقييد ولفظه (لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء) يعني في الصلاة، وأخرجه بغير تقييد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن مالك. وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين " كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره " فطأطأ رأسه". قوله: (لينتهين) كذا للمستملي والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد، وللباقين " لينتهن " بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل. قوله: (أو لتخطفن أبصارهم) ولمسلم من حديث جابر بن سمرة " أو لا ترجع إليهم " يعني أبصارهم. واختلف في المراد بذلك: فقيل هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم فقال: يبطل الصلاة. وقيل المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أسيد بن حضير الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى، أشار إلى ذلك الداودي، ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين. و " أو " هنا للتخيير نظير قوله تعالى صلى في خميصة لها أعلام فقال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية". *3* الشرح: قوله: (باب الالتفات في الصلاة) لم يبين المؤلف حكمه، لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع، لكن الجمهور على أنها للتنزيه. وقال المتولي: يحرم إلا للضرورة، وهو قول أهل الظاهر. وورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث، منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه " لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف " ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد " فإذا صليتم فلا تلتفتوا " وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي. والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله. وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ الشرح: قوله: (عن أبيه) هو أبو الشعثاء المحاربي، ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند ابن خزيمة وزائدة عند النسائي ومسعر عند ابن حبان، وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية عن مسروق. ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل، فهذا اختلاف على أشعث، والراجح رواية أبي الأحوص. وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق، ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان، أبوه وأبو عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها. وأما الرواية عن أبي وائل فشاذة لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم. قوله: (هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة، ووقع في النهاية: والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة، وفيه نظر. وقال غيره: المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له والناهب يأخذ بقوة، والسارق يأخذ في خفية. فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس. وقال ابن بزيزة: أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا. من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه. وقال الطيبي: سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة. قوله: (يختلس) كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني " يختلسه " وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري. قيل: الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه. ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم، وقد تقدم الكلام عليه في " باب إذا صلى في ثوب له أعلام " في أوائل الصلاة. ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقه كان قريبا من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته، وكأن المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة. ويحتمل أن يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه، لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ الشرح: قوله: (شغلني) في رواية الكشميهني " شغلتني " وهو أوجه، وكذا اختلفوا في " اذهبوا بها " أو " به". قوله: (إلى أبي جهم) كذا للأكثر وهو الصحيح، وللكشميهني جهيم بالتصغير. *3* وَقَالَ سَهْلٌ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة) الظاهر أن قوله " في القبلة " يتعلق بقوله " بصاقا " وأما قوله " شيئا " فأعم من ذلك، والجامع بين جميع ما ذكر في الترجمة حصول التأمل المغاير للخشوع وأنه لا يقدح إلا إذا كان لغير حاجة. قوله: (وقال سهل) هو ابن سعد، وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في " باب من دخل ليؤم الناس"، ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر بالإعادة، بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته وكان التفاته لحاجة. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ الشرح: قوله في حديث ابن عمر (بين يدي الناس) يحتمل أن يكون متعلقا بقوله " وهو يصلي " أو بقوله " رأى نخامة". قوله: (فحتها ثم قال حين انصرف) ظاهره أن الحت وقع منه داخل الصلاة، وقد تقدم من رواية مالك عن نافع غير مقيد بحال الصلاة، وسبق الكلام على فوائده في أواخر أبواب القبلة، وأورده هناك أيضا من رواية أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة وأنس من طرق كلها غير مقيدة بحال الصلاة. قوله: (رواه موسى بن عقبة) وصله مسلم من طريقه. قوله: (وابن أبي رواد) اسم أبي رواد ميمون، ووصله أحمد عن عبد الرزاق عن عبد العزيز ابن أبي رواد المذكور وفيه أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة، فالغرض منه على هذا المتابعة في أصل الحديث. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الشرح: ثم أورد المصنف حديث أنس المتقدم في " باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة " قال ابن بطال: وجه مناسبته للترجمة أن الصحابة لما كشف صلى الله عليه وسلم الستر التفتوا إليه، ويدل على ذلك قول أنس " فأشار إليهم " ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته ا هـ. ويوضحه كون الحجرة عن يسار القبلة فالناظر إلى إشارة من هو فيها يحتاج إلى أن يلتفت، ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة، بل أقرهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر) لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات. قوله: (وما يجهر فيها وما يخافت) هو بضم أول كل منهما على البناء للمجهول، وتقدير الكلام وما يجهر به وما يخافت، لأنه لازم فلا يبنى منه، قال ابن رشيد: قوله " وما يجهر " معطوف على قوله " في الصلوات " لا على القراءة، والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت، أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم. انتهى. وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا مفردا سنذكر ما يحتاج إليه في هذا الشرح من فوائده إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ قَالَ سَعْدٌ أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَأَطِلْ فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ الشرح: قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل. قوله: (عن جابر بن سمرة) هو الصحابي، ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا. وقد صرح ابن عيينة بسماع عبد الملك له من جابر أخرجه أحمد وغيره. قوله: (شكا أهل الكوفة سعدا) هو ابن أبي وقاص، وهو خال ابن سمرة الراوي عنه. وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة قال " كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة " انتهى. وفي قوله أهل الكوفة مجاز، وهو من إطلاق الكل على البعض، لأن الذين شكوه بعض أهل الكوفة لا كلهم، ففي رواية زائدة عن عبد الملك في صحيح أبي عوانة " جعل ناس من أهل الكوفة"، ونحوه لإسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد الملك وسمى منهم عند سيف والطبراني الجراح بن سنان وقبيصة وأربد الأسديون، وذكر العسكري في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس. قوله: (فعزله) كان عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه، ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط، وعند الطبري سنة عشرين، فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر. قوله: (واستعمل عليهم عمارا) هو ابن ياسر، قال خليفة: استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض. انتهى. وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما وقعت فيه الشكوى. قوله: (فشكوا) ليست هذه الفاء عاطفة على قوله " فعزله " بل هي تفسيرية عاطفة على قوله شكا عطف تفسير، وقوله "فعزله واستعمل " اعتراض إذ الشكوى كانت سابقة على العزل، وبينته رواية معمر الماضية. قوله: (حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي) ظاهره أن جهات الشكوى كانت متعددة، ومنها قصة الصلاة. وصرح بذلك في رواية أبي عون الآتية قريبا، فقال عمر: لقد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة. وذكر ابن سعد وسيف أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه. وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب، وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى بأصواتهم، فزعموا أنه قال: انقطع التصويت. وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج في السرايا. وقال الزبير بن بكار في " كتاب النسب ": رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة اهـ. ويقويه قول عمر في وصيته " فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة " وسيأتي ذلك في مناقب عثمان. قوله: (فأرسل إليه فقال) فيه حذف تقديره فوصل إليه الرسول فجاء إلى عمر، وسيأتي تسمية الرسول. قوله: (يا أبا إسحاق) هي كنية سعد، كني بذلك بأكبر أولاده، وهذا تعظيم من عمر له، وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده. قوله: (أما أنا والله) أما بالتشديد وهي للتقسيم، والقسيم هنا محلوف تقديره وأما هم فقالوا ما قالوا. وفيه القسم في الخبر لتأكيده في نفس السامع، وجواب القسم يدل عليه قوله " فإني كنت أصلي بهم". قوله: (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب أي مثل صلاة. قوله: (ما أخرم) بفتح أوله وكسر الراء أي لا أنقص، وحكى ابن التين عن بعض الرواة أنه بضم أوله ففعله من الرباعي واستضعفه. قوله: (أصلي صلاة العشاء) كذا هنا بالفتح والمد للجميع، غير الجرجاني فقال " العشي"، وفي الباب الذي بعده " صلاتي العشي " بالكسر والتشديد لهم إلا الكشميهني، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بلفظ " صلاتي العشي " وكذا في رواية عبد الرزاق عن معمر وكذا لزائدة في صحيح أبي عوانة وهو الأرجح، ويدل عليه التثنية، والمراد بهما الظهر والعصر ولا يبعد أن تقع التثنية في الممدود ويراد بهما المغرب والعشاء، لكن يعكر عليه قوله الأخريين لأن المغرب إنما لها أخرى واحدة والله أعلم. وأبدى الكرماني لتخصيص العشاء بالذكر حكمة، وهو أنه لما أتقن فعل هذه الصلاة التي وقتها وقت الاستراحة كان ذلك في غيرها بطريق الأولى وهو حسن، ويقال مثله في الظهر والعصر لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش. والأولى أن يقال: لعل شكواهم كانت في هاتين الصلاتين خاصة فلذلك خصهما بالذكر. قوله: (فأركد في الأوليين) قال القزاز: أركد أي أقيم طويلا، أي أطول فيهما القراءة. قلت: ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود، لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة، وسيأتي قريبا من رواية أبي عون عن جابر بن سمرة " أمد في الأوليين " والأوليين بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين. قوله: (وأخف) بضم أوله وكسر الخاء المعجمة. وفي رواية الكشميهني وأحذف بفتح أوله وسكون المهملة، وكذا هو في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي، وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها، إلا أن في رواية محمد بن كثير عن شعبة عند الإسماعيلي بالميم بدل الفاء، والمراد بالحذف حذف التطويل لا حذف أصل القراءة فكأنه قال أحذف الركود. قوله: (ذلك الظن بك) أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه، زاد مسعر عن عبد الملك وابن عون معا " فقال سعد أتعلمني الأعراب الصلاة " أخرجه مسلم، وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم، وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة، فيستفاد منه ذم القول بالرأي الذي لا يستند إلى أصل، وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، قال ابن بطال: وجه دخول حديث سعد في هذا الباب أنه لما قال " أركد وأخف " علم أنه لا يترك القراءة في شيء من صلاته، وقد قال إنها مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختصره الكرماني فقال: ركود الإمام يدل على قراءته عادة. قال ابن رشيد: ولهذا أتبع البخاري في الباب الذي بعده حديث سعد بحديث أبي قتادة كالمفسر له. قلت: وليس في حديث أبي قتادة هنا ذكر القراءة في الأخريين. نعم هو مذكور من حديثه بعد عشرة أبواب، وإنما تتم الدلالة على الوجوب إذا ضم إلى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي " فيحصل التطابق بهذا لقوله " القراءة للإمام " وما ذكر من الجهر والمخافتة، وأما الحضر والسفر وقراءة المأموم فمن غير حديث سعد مما ذكر في الباب، وقد يؤخذ السفر والحضر من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفصل بين الحضر والسفر، وأما وجوب القراءة على الإمام فمن حديث عبادة في الباب، ولعل البخاري اكتفى بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته وهو ثالث أحاديث الباب " وافعل ذلك في صلاتك كلها"، وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي وغيره حيث قال: لا دلالة في حديث سعد على وجوب القراءة، وإنما فيه تخفيفها في الأخريين عن الأوليين. قوله: (فأرسل معه رجلا أو رجالا) كذا لهم بالشك. وفي رواية ابن عيينة " فبعث عمر رجلين " وهذا يدل على أنه أعاده إلى الكوفة ليحصل له الكشف عنه بحضرته ليكون أبعد من التهمة، لكن كلام سيف يدل على أن عمر إنما سأله عن مسألة الصلاة بعد ما عاد به محمد بن مسلمة من الكوفة. وذكر سيف والطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال: وهو الذي كان يقتص آثار من شكى من العمال في زمن عمر. وحكى ابن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم، فإن كان محفوظا فقد عرف الرجلان. وروى ابن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال: بعث عمر محمد بن مسلمة وأمرني بالمسير معه وكنت دليلا بالبلاد، فذكر القصة وفيها " وأقام سعدا في مساجد الكوفة يسألهم عنه " وفي رواية إسحاق عن جرير " فطيف به في مساجد الكوفة". قوله: (ويثنون عليه معروفا) في رواية ابن عيينة " فكلهم يثني عليه خيرا". قوله: (لبني عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة قبيلة كبيرة من قيس. قوله: (أبا سعدة) بفتح المهملة بعدها مهملة ساكنة، زاد سيف في روايته " فقال محمد بن مسلمة: أنشد الله رجلا يعلم حقا إلا قال". قوله: (أما) بتشديد الميم، وقسيمها محذوف أيضا، قوله " نشدتنا " أي طلبت منا القول. قوله: (لا يسير بالسرية) الباء للمصاحبة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء المخففة قطعة من الجيش، ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف أي لا يسير بالطريقة السرية أي العادلة، والأول أولى لقوله بعد ذلك: " ولا يعدل". والأصل عدم التكرار، والتأسيس أولى من التأكيد. ويؤيده رواية جرير وسفيان بلفظ " ولا ينفر في السرية". قوله: (في القضية) أي الحكومة. وفي رواية سفيان وسيف " في الرعية". قوله: (قال سعد) في رواية جرير " فغضب سعد". وحكى ابن التين أنه قال " أعلى تسجع". قوله: (أما والله) بتخفيف الميم حرف استفتاح. قوله: (لأدعون بثلاث) أي عليك، والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال " لا ينفر " والعفة حيث قال " لا يقسم " والحكمة حيث قال " لا يعدل " فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين، فقابلها بمثلها: فطول العمر يتعلق بالنفس، وطول الفقر يتعلق بالمال، والوقوع في الفتن يتعلق بالدين، ولما كان في الثنتين الأوليين ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمر ديني، وبيان ذلك أن قوله " لا ينفر بالسرية " يمكن أن يكون حقا لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن يقيم، أو كان له عذر كما وقع وهو في القادسية وقوله " لا يقسم بالسوية " يمكن أن يكون حقا فإن للإمام تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح، وقوله "لا يعدل في القضية " هو أشدها لأنه سلب عنه العدل مطلقا وذلك قدح في الدين، ومن أعجب العجب أن سعدا مع كون هذا الرجل واجهة بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه، إذ علقه بشرط أن يكون كاذبا وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي. قوله: (رياء وسمعة) أي ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر، وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: (وأطل فقره) في رواية جرير " وشدد فقره " وفي رواية سيف " وأكثر عياله " قال الزين ابن المنير: في الدعوات الثلاث مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد، وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا، وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده". قوله: (فكان بعد) أي أبو سعدة، وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه جرير في روايته. قوله: (إذا سئل) في رواية ابن عيينة " إذ قيل له كيف أنت". قوله: (شيخ كبير مفتون) قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله " أصابتني دعوة سعد " يدل عليه. قلت: قد وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى. وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه " قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال: كبير فقير مفتون " وفي رواية إسحاق عن جرير " فافتقر وافتتن " وفي رواية سيف " فعمى واجتمع عنده عشر بنات، وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها، فإذا أنكر عليه قال: دعوة المبارك سعد " وفي رواية ابن عيينة " ولا تكون فتنة إلا وهو فيها " وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب ابن سعد نحو هذه القصة قال " وأدرك فتنة المختار فقتل فيها " رواه المخلص في فوائده. ومن طريقه ابن عساكر. وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين، وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين. قوله: (دعوة سعد) أفردها لإرادة الجنس وإن كانت ثلاث دعوات، وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة، روى الطبراني من طريق الشعبي قال " قيل لسعد متى أصبت الدعوة؟ قال: يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد " وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم استجب لسعد إذا دعاك". وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شيء إذا اقتضت ذلك المصلحة، قال مالك: قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة. والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة، ففي رواية سيف " قال عمر: لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته". وقيل عزله إيثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى، وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين. وقال المازري: اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه؟ وفيه استفسار العامل عما قيل فيه، والسؤال عمن شكى في موضع عمله، والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل. وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره، وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال. وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه. وفيه الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب، والافتراء الذي يقصد به دفع الضرر، فيعزر قائل الأول دون الثاني. ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته. وقد جاء في الخبر " من دعا على ظالمه فقد انتصر " فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة. ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته. ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم، ومن الأول قول موسى عليه السلام: وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده. قوله: (عن محمود بن الربيع) في رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا الزهري سمعت محمود بن الربيع " ولابن أبي عمر عن سفيان بالإسناد عند الإسماعيلي " سمعت عبادة بن الصامت " ولمسلم من رواية صالح بن كيسان " عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره"، وبهذا التصريح بالإخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدار قطني. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الشرح: قوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) زاد الحميدي عن سفيان " فيها " كذا في مسنده. وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن الحميدي، أخرجه البيهقي. وكذا لابن أبي عمر عند الإسماعيلي، ولقتيبة وعثمان ابن أبي شيبة عند أبي نعيم في المستخرج، وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة، قال عياض: قيل يحمل على نفي الذات وصفاتها، لكن الذات غير منتفية فيخص بدليل خارج، ونوزع في تسليم عدم نفي الذات على الإطلاق لأنه إن ادعى أن المراد بالصلاة معناها اللغوي فغير مسلم، لأن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لأنه المحتاج إليه فيه لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة، وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام دعوى نفي الذات، فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار الإجزاء ولا الكمال، لأنه يؤدي إلى الإجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف، لأن نفي الكمال يشعر بحصول الإجزاء فلو قدر الإجزاء منتفيا لأجل العموم قدر ثابتا لأجل إشعار نفي الكمال بثبوته فيتناقض، ولا سبيل إلى إضمارهما معا لأن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة، وهي مندفعة بإضمار فرد فلا حاجة إلى أكثر منه، ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر، قاله ابن دقيق العيد، وفي هذا الأخير نظر لأنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم، ولأنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس فيكون أولى، ويؤيده رواية الإسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الإثبات أخرجه الدار قطني، وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا " لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " وقد أخرج ابن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن سفيان حديث الباب بلفظ " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب " فلا يمتنع أن يقال إن قوله " لا صلاة " نفي بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب، ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن عائشة مرفوعا " لا صلاة بحضرة الطعام " فإنه في صحيح ابن حبان بلفظ " لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام " أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم، وابن حبان من طريق حسين بن علي وغيره عن يعقوب به. وأخرج له ابن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ، وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة، والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن، وقد قال تعالى (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) فالفرض قراءة ما تيسر، وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلي صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره، واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة، والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض، لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا، وكذا حديث عبادة " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " وغير ذلك، فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا، قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما. انتهى. وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم "وافعل ذلك في صلاتك كلها " بعد أن أمره بالقراءة. وفي رواية لأحمد وابن حبان " ثم افعل ذلك في كل ركعة " ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة " واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر، لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم، قاله الشيخ تقي الدين، واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث " من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدار قطني وغيره، واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث " وإذا قرأ فأنصتوا " وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين: فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام، وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في " جزء القراءة " والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، والظاهر أن حديث الباب مختصر من هذا وكان هذا سببه والله أعلم. وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي، ومن حديث أنس عند ابن حبان، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: لابد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن. (فائدة) : زاد معمر عن الزهري في آخر حديث الباب " فصاعدا " أخرجه النسائي وغيره، واستدل به على وجوب قدر زائد على الفاتحة. وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة، قال البخاري في " جزء القراءة ": هو نظير قوله " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها، وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره، ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك، وسيأتي بعد ثمانية أبواب حديث أبي هريرة " وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت " ولابن خزيمة من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيها إلا بفاتحة الكتاب" الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا الشرح: حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته سيأتي الكلام عليه بعد أربعة وعشرين بابا، وموضع الحاجة منه هنا قوله " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " وكأنه أشار بإبراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها، وأن من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه، وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في حديث عبادة والله أعلم. قال الخطابي: قوله " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " ظاهر الإطلاق التخيير، لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة، وهو كقوله تعالى (فما استيسر من الهدى) ثم عينت السنة المراد. وقال النووي: قوله " ما تيسر " محمول على الفاتحة فإنها متيسرة، أو على ما زاد من الفاتحة بعد أن يقرأها، أو على من عجز عن الفاتحة. وتعقب بأن قوله " ما تيسر " لا إجمال فيه حتى يبين بالفاتحة، والتقييد بالفاتحة ينافي التيسير الذي يدل عليه الإطلاق فلا يصح حمله عليه. وأيضا فسورة الإخلاص متيسرة وهي أقصر من الفاتحة فلم ينحصر التيسير في الفاتحة، وأما الحمل على ما زاد فمبني على تسليم تعين الفاتحة وهي محل النزاع. وأما حمله على من عجز فبعيد، والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسيء صلاته تفسير ما تيسر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رفعه " وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك " الحديث. ووقع فيه في بعض طرقه " ثم اقرأ إن كان معك قرآن، فإن لم يكن فاحمد الله وكبر وهلل " فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن، فإن عجز عن تعلمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر، وإلا انتقل إلى الذكر. ويحتمل الجمع أيضا أن يقال: المراد بقوله " فاقرأ ما تيسر معك من القرآن " أي بعد الفاتحة، ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود بسند قوي " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر".
|