ولما سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم كانوا يخرجون كل صباح يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه حتى يطردهم حر الشمس، فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعالى النهار واشتد الحر رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود على أطم آطام المدينة ينظر لحاجة له فأبصر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه مقبلين يزول بهم السراب فلم يملك أن نادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم يعني هذا حظكم وعزكم الذي تنتظرون فهب المسلمون للقاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم السلاح تعظيمًا وإجلالًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإيذانًا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه ـ رضي الله عنهم ـ فتلقوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بظاهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمرو بن عوف في قباء، وأقام فيهم بضع ليال وأسس المسجد، ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه آخرون يتلقونه في الطرقات قال أبوبكر رضي الله عنه خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد.
الهجرة في اللغة: "مأخوذه من الهجر وهو الترك".
وأما في الشرع فهي كما قال الشيخ: "الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام". وبلد الشرك هو الذي تقام فيها شعائر الكفر ولا تقام فيه شعائر الإسلام كالأذان والصلاة جماعة، والأعياد، والجمعة على وجه والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام [فهي واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلد الكفر فلا يتم إسلامه إذا كان لا يستطيع إظهاره إلا بالهجرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.] ، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة. والدليل قوه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [سورة النساء، الآيات: 97-99]. [في هذه الآية دليل على أن هؤلاء الذين لم يهاجروا مع قدرتهم على الهجرة أن الملائكة تتوفاهم وتوبخهم وتقول لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، أما العاجزون عن الهجرة من المستضعفين فقد عفا الله عنهم لعجزهم عن الهجرة ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.]
عام شامل، وإنما قلنا على وجه عام شامل ليخرج ما تقام فيه هذه الشعائر على وجه محصور كبلاد الكفار التي فيها أقليات مسلمة فإنها لا تكون بلاد إسلام بما تقيمه الأقليات المسلمة فيها من شعائر الإسلام، أما بلاد الإسلام فهي البلاد التي تقام فيها هذه الشعائر على وجه عام شامل.
وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [سورة العنكبوت، الآية:65] قال البغوي - رحمه الله تعالى -: سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا؛ ناداهم الله باسم الإيمان [الظاهر أن الشيخ رحمه الله نقل هذا عن البغوي بمعناه، هذا إن كان نقله من التفسير إذ ليس المذكور في التفسير البغوي لهذه الآية بهذا اللفظ.]. والدليل على الهجرة من السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ*: لا تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) [وذلك حين انتهاء العمل الصالح المقبول لله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 158] والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها.].
(تتمة) نذكر هنا حكم السفر إلى بلاد الكفر.
فنقول: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك.
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أوخوف وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالًا كثيرة في هذه الأسفار.
أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أوتلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به.
وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلادًا سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها.
وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين الإسلام، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فساقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الإنحراف والزيغ، وأن يكون مضمرًا لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعدًا عن موالاتهم، ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم، مما ينافي الإيمان بالله قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة، الآية: 22] الآية: وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [سورة المائدة، الآيتان: 51-52] وثبت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أن من أحب قومًا فهو منهم، وأن المرء مع من أحب) [رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب : علامة حب الله عز و جل ومسلم ، كتاب الصلة، باب : المرء مع من أحب.] ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرًا على المسلم لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أوعلى الأقل عدم الإنكار عليهم ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من أحب قومًا فهو منهم) [رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب : علامة حب الله عز و جل ومسلم ، كتاب الصلة، باب : المرء مع من أحب.].
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة
لوجوب الهجرة حينئذ، قال في المغني ص 457 جـ 8 في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه وهومن يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه من إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [سورة النساء الآية: 97]. وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اهـ.
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفار إلى أقسام
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه
فهذا نوع من الجهاد فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة وأن لا يوجد من يمنع منها أومن الاستجابة غليها، لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين وهي طريقة المرسلين وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (بلغوا عني ولو آية) [رواه البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
].
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة
وبطلان التعبد، وإنحلال الأخلاق، وفوضوية
السلوك؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضًا لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه، لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لكن لا بد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامة، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وائمة الإسلام وجب الكف لقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 108].
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينًا للمسلمين؛ ليعرف ما يدبروه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون، كما أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم.
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها
مع دول الكفر كموظفي السفارات فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلًا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج
فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول
بلاد الكفر للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة
لكنها أخطر منها وأشد فتكًا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنومرتبته وعلومرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال. والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد فأما بعث الأحداث "صغار السن" وذوي العقول الصغيرة فهوخطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ثم هوخطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرًا من أولئك المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في دياناتهم، وأخلاقه، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هومعلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقًا أويلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل. وفي الدعاء المأثور (اللهم أرني الحق حقًا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلًا وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علي فأضل).
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة فإذا صادفت محلًا ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعوالحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله0
بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والعبد ولذلك جاء في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) [رواه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب: الإقامة بأرض المشركين.] وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر فإن المساكنة تدعوإلى المشاكلة، وعن قيس بن حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى نارهما) [أخرجه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب: النهي عن قتل من أعتصم بالسجود. والترمذي كتاب السير، باب: ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين] رواه أبو داود والترمذي وأكثر الرواة رووه مرسلًا عن قيس بن حازم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الترمذي سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول الصحيح حديث قيس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسل. ا هـ. وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر نسأل الله أن يكون موافقًا للحق والصواب.
فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصوم، والحج، والجهاد والآذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام [يقول المؤلف رحمه الله تعالى: لما استقر - أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ - في المدينة النبوية أمر ببقية شرائع الإسلام وذلك أنه في مكة دعا إلى التوحيد نحو عشر سنين، ثم بعد ذلك فرضت عليه الصلوات الخمس في مكة، ثم هاجر إلى المدينة ولم تفرض عليه الزكاة ولا الصيام ولا الحج ولا غيرها من شعائر الإسلام وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الزكاة فرضت أصلًا وتفصيلًا في المدينة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الزكاة فرضت أولًا في مكة وفي المدينة قدرت الأنصباء وقدر الواجب وأستدل هؤلاء بأنه جاءت آيات توجب الزكاة في سورة مكية مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 141] ومثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [سورة المعارج، الآيتان: 24-25] وعلى كل حال فاستقرار الزكاة وتقدير أنصابها وما يجب فيها وبيان مستحقيها كان في المدينة، وكذلك الأذان والجمعة، والظاهر أن الجماعة كذلك لم تفرض إلا في المدينة؛ لأن الأذان الذي فيه الدعوة للجماعة فرض في السنة الثانية، فأما الزكاة والصيام فقد فرضا في السنة الثانية من الهجرة، وأما الحج فلم يفرض إلا في السنة التاسعة على القول الراجح من أقوال أهل العلم وذلك حين كانت مكة بلد إسلام بعد فتحها في السنة الثامنة من الهجرة، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه
المنكر وغيرهما من الشعائر الظاهرة كلها فرضت في المدينة بعد إستقرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها وإقامة الدولة الإسلامية فيها.]
أخذ أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين بعد هجرته فلما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على المؤمنين اختاره لجواره واللحاق بالرفيق الأعلى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فابتدأ به المرض صلوات الله وسلامه عليه في آخر شهر صفر وأول شهر ربيع الأول، فخرج إلى الناس عاصبًا رأسه فصعد المنبر فتشهد وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قتلوا في أحد ثم قال: (إن عبدًا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله) ففهمها أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فبكى وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وأبنائنا، وأنفسنا، وأموالنا فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (على رسلك يا أبا بكر) ثم قال: (إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبوبكر ولكنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن خلة الإسلام ومودته) [أخرجه البخاري ، كتاب المساجد ، باب: الخوخة والممر في المسجد.] وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولما كان يوم الاثنين الثاني عشر أوالثالث عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة أختاره الله لجواره فلما نزل به جعل يدخل يده في ماء عنده ويمسح وجهه ويقوله: (لا إله إلا الله إن للموت سكرات) ثم شخص بصره نحو السماء وقال: (اللهم في الرفيق الأعلى) [أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.]
فتوفي ذلك اليوم فاضطرب الناس لذلك وحق لهم أن يضطربوا، حتى جاء أبوبكر رضي الله عنه فصعد المنبر فحمد الله.
ودينه باق، وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دل عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذر منه: الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة (1)]"> ، وافترض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والأنس، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [في هذه الآية دليل على أن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الناس جميعًا وأن الذي أرسله له ملك السماوات والأرض، ومن بيده الإحياء والإمانة، وأنه سبحانه هوالمتوحد بالألوهية كما هو متوحد في الربوبية، ثم أمر سبحانه وتعالى في آخر الآية أن نؤمن بهذا الرسول النبي الأمي وأن نتبعه وأن ذلك سبب للهداية العلمية والعملية، هداية الإرشاد، وهداية] [سورة الأعراف، الآية: 158].
واثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 144]، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر، الآية: 30] فاشتد بكاء الناس وعرفوا أنه قد مات فغسل صلوات الله وسلامه عليه في ثيابه تكريمًا له، ثم كفن بثلاث أثواب أي لفائف بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه إرسالًا بدون إمام، ثم دفن ليلة الأربعاء بعد أن تمت مبايعة الخليفة من بعده فعليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسلم.
(6) وأكمل الله به الدين، والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة المائدة، الآية: 5].
التوفيق فهو عليه الصلاة والسلام رسول إلى جميع الثقلين وهم الإنس والجن وسموا بذلك لكثرة عددهم.
(1) أي أن دينه عليه الصلاة والسلام باق إلى يوم القيامة فما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا وقد بين للامة جميع ما تحتاجه في جميع شئونها حتى قال أبوذر رضي الله عنه: (ما ترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طائرًا يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا) [أخرجه الإمام أحمد 5/163.] وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه علمكم نبيكم حتى الخراة - آداب قضاء الحاجة - قال: (نعم لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى برجيع أو عظم) [أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب: الإستطابة.].
(2) فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين كل الدين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره ابتداء أو جوابًا عن سؤال، وأعظم ما بين عليه الصلاة والسلام التوحيد.
وبين كل ما أمر به فهو خير للأمة في معادها ومعاشها، وكل ما نهى عنه فهو شر للأمة في معاشها ومعادها، وما يجهله بعض الناس ويدعيه من ضيق في الأمر والنهي فإنما ذلك لخلل البصيرة وقلة الصبر وضعف الدين، وإلا فإن القاعدة العامة أن الله لم يجعل علينا في الدين من حرج وأن الدين كله يسر وسهولة قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78]
والدليل على موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [سورة الزمر، الآيتان: 30-31]. [ففي هذه الآية أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن أرسل إليهم ميتون وأنهم سيختصمون عند الله يوم القيامة فيحكم بينهم بالحق ولن يجعل الله لكافرين على المؤمنين سبيلًا.] والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [سورة طه، الآية: 55] [أي من الأرض خلقناكم حين خلق آدم عليه الصلاة والسلام من تراب.]، وقوله:
تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [سورة المائدة، الآية: 6] فالحمد لله على تمام نعمته وإكمال دينه.
تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [سورة نوح، الآيتان: 17-18]. [أي بالدفن بعد الموت. أي بالبعث يوم القيامة.]
وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم، والدليل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [سورة النجم، الآية: 31] [هذه الآية موافقة تمامًا لقوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا وقد أبدى الله عز وجل وأعاد في إثبات المعاد حتى يؤمن الناس بذلك ويزدادوا إيمانًا ويعملوا لهذا اليوم العظيم الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من العالمين له ومن السعداء فيه.] ؛. .. .. .. .. .. .
يعين أن الناس بعد البعث يجازون ويحاسبون على أعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر قال الله تبارك وتعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [سورة الزلزلة، الآيتان: 7-8]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 47]، وقال جلا وعلا: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 160]. فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فضلًا من الله عز وجل وامتنانًا منه سبحانه وتعالى، فهوجل وعلا قد تفضل بالعمل الصالح، ثم تفضل مرة أخرى بالجزاء عليه هذا الجزاء الواسع الكثير، أما
ومن كذب بالبعث كفر، والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [سورة التغابن، الآية: 7]،. .. .. .
من كذب بالبعث فهو كافر لقوله تعالى: {وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [سورة الأنعام، الآيتان: 29-30]، وقال تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [سورة المطففين، الآيات: 10-17]، وقال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [سورة الفرقان، الآية: 11]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة العنكبوت، الآية: 23] واستدل الشيخ رحمه الله تعالى بقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية.
العمل السيء فإن السيئة لا يجازى الإنسان بأكثر منها قال تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 160] وهذا من كمال فضل الله وإحسانه.