الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
مستدركًا على الخطيب، قال: وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف جماعة: منهم ابن خزيمة. وابن حبان. والدارقطني. والبيهقي. وابن عبد البر. وآخرون، وللقائلين بالجهر أحاديث: أجودها حديث نعيم المجمر، قال: صليت وراء أبي هريرة، فقرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم"، ثم قرأ بأمِّ القرآن، حتى قال: (يتبع...) (تابع... 2): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... [في "باب رفع اليدين مدًا" ص 141، والبيهقي: ص 27 - ج 2، وص 195 - ج 2، والحاكم: ص 215 - ج 1، مختصرًا، وصححه، والطيالسي: ص 313)] من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أنه قال: ثلاث كان يفعلهن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ تركهن الناس، كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًا، وكان يقف قبل القراءة هنيهة، وكان يكبر في كل خفض ورفع، ورواه ابن أبي ذئب في "موطئه" كذلك باللفظ المذكور، ورواه البخاري في "القراءة خلف الإمام"، وأبو داود الطيالسي في "مسنده"، وهذا حديث حسن، ورواته ثقات، وسعيد بن سمعان الأنصاري صدوق، وثقه النسائي. وابن حبان، ولا التفات إلى قول أبي الفتح الأزدي فيه: ضعيف، فإن الأزدي متكلم فيه، والنسائي أعلم منه، وليس للتسمية في هذا الحديث. ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر، وهذا مما يغلب على الظن أنه وَهَم على أبي هريرة فإن قيل: قد رواها نعيم المجمر، وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضعٍ دون موضعٍ، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله، أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس، قوله: من المسلمين في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًا فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها، كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، كزيادة سعد بن طارق في حديث: "جعلت الأرض مسجداُ، وجعلت تربتها لنا طهورًا"، وكزيادة سليمان التيمي في حديث أبي موسى: "وإذا قرأ فأنصتوا"، وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة، كزيادة معمر، ومن وافقه، قوله: "وإن كان مائعًا فلا تقربوه"، وكزيادة عبد اللّه بن زياد - ذكر البسملة - في حديث "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، وإن كان معمر ثقة. وعبد اللّه بن زياد ضعيفًا، فإن الثقة قد يغلط، وفي موضع يغلب على الظن خطأها، كزيادة معمر في حديث ماعز "الصلاة عليه"، رواها البخاري في "صحيحه"، وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا، وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر، وقال فيه: ولم يصل عليه، فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق وقد اختلف عليه أيضًا، والصواب أنه قال: ولم يصل عليه، وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة، وزياد نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها، فلا حجة فيها لمن قال بالجهر، لأنه قال: فقرأ، أو فقال: "بسم اللّه الرحمن الرحيم"، وذلك أعم من قراءتها سرًا أو جهرًا، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها، فإن قيل: لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة الفاتحة والبسملة تناولًا واحدًا، ولقال: فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه، وتأمين المأمومين، قلنا: ليس للجهر فيه تصريح ولا ظاهر يوجب الحجة، ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإِسرار، ولو أخذ الجهر من هذا الاطلاق لأخذ منه أنها ليست من أمِّ القرآن، فإنه قال: فقرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم"، ثم قرأ أمِّ القرآن، والعطف يقتضي المغايرة. الوجه الثاني: أن قوله: فقرأ، أو قال، ليس بصريح أنه سمع منه، إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيمًا بأنه قرأها سرًا، ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافته لقربه منه، كما ورى عنه من أنواع الاستفتاح، وألفاظ الذكر في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده، فلمسلم في "صحيحه" [في "التهجد - في باب صلاة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ودعائه بالليل" ص 263.] عن علي بن أبي طالب أنه عليه السلام كان يقول إذا قام في الصلاة: وجهت وجهي، إلى آخرها، وإذا ركع قال: اللّهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، ويقول في سجوده نحو ذلك، وإذا تشهد، قال: اللّهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، إلى آخره، ولم يكن سماع الصحابة ذلك منه دليلًا على الجهر، وكان يُسْمِعنا الآية أحيانًا، وأيضًا فلو ساغ التمسك على الجهر بمجرد قوله: فقرأ، لساغ لمن لا يرى قراءتها بالكلية، الاعتماد على ما أخرجه مسلم في "صحيحه" [في "باب ما يقال بين تكبيرة الاحرام والقراءة" ص 219 بلفظ: وحدثت عن يحيى بن حسان. ويونس. وغيرهما، الخ، وكأنه تعليق، وأخرجه الحاكم في "مستدركه" ص 215، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي: في ص 196 - ج 2، وقال: هو حديث صحيح، وأخرجه الطحاوي: ص 118 عن حصين بن نصر عن يحيى بإسناد مسلم.] عن أبي هريرة، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة "بالحمد للَّه رب العالمين" ولم يسكت، قال الطحاوي: في هذا الحديث دليل على أن "بسم اللّه الرحمن الرحيم" ليست من فاتحة الكتاب، ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأها في الثانية كما قرأ فاتحة الكتاب، والذي استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى، لأنها عندهم من فاتحة الكتاب، استحبوا ذلك أيضًا في الثانية، فلما انتفى بهذا أن يكون قرأها في الثانية انتفى أن يكون قرأها في الأولى، وعارض هذا حديث نعيم المجمر، بل هو أولى لاستقامة طريقه، وفضل صحته على حديث نعيم، فإن قيل: إنما أراد أبو هريرة الاستفتاح بالسورة لا الآية، قلنا: هذا فيه صرف اللفظ عن حقيقته وظاهره، وذلك لا يسوغ إلا لموجب، وأيضًا فلو أراد اسم السورة لقال: بفاتحة الكتان. أو بسورة الحمد، أو بأمِّ القرآن، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، كما في البخاري عن أبي هريرة [في تفسير "سورة الحجر" ص 683] مرفوعًا: "أمُّ القرآن هي السبع المثاني"، وفي "الصحيحين" عن عبادة بن الصامت [أخرجه البخاري في "باب وجوب القراءة للإمام والمأموم" ص 104، ومسلم في "باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة" ص 169 - ج 1.] مرفوعًا: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأمُّ القرآن"، وفي رواية: "بفاتحة الكتاب"، وأما تسميتها بجملة "الحمد لله رب العالمين". فلا يعرف ذلك عندهم، فدل على أنه أراد استفتاحه بهذه الآية دون البسملة، وهذا الحديث إسناده أصرح دلالة من حديث نعيم، واللّه أعلم. الوجه الثالث: أن قوله: إني لأشبهكم صلاة برسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، إنما أراد به أصل الصلاة ومقاديرها وهيئتها، وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره، دون البسملة، فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية، ففي صحتها عنه نظر، فلينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه عن كل وجه ما في "الصحيحين" [البخاري في "باب المكث بين السجدتين" ص 113، ومسلم في "باب اعتدال الأركان" ص 189.]، عن ثابت عن أنس، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: فكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: فد نسي، وإذا رفع من السجود مكث حتى يقول القائل: قد نسي، فهذا أنس قد أخبر بشبه صلاته بصلاة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فكان يطيل ركعتي الاعتدال والفصل إلى غاية يظن به النسيان، ومع ذلك، فالشافعية يكرهون إطالتهما، وعندهم وجهان في بطلان الصلاة بها،، فهلا كان حديث أنس هذا دليلًا على وجوب إطالتهما مع صحته وموافقته للأحاديث الصحيحة، كما كان حديث أبي هريرة دليلًا على وجوب قراءة البسملة والجهر بها، مع علة مخالفته للأحاديث الصحيحة، وأيضًا، فيلزمهم [في نسخة "فلزمهم".] أن يقولوا بالجهر بالتعوذ، لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي عن ربيعة بن عثمان عن صالح بن أبي صالح [وفي نسخة "عن أبي صالح".]، أنه سمع أبا هريرة، وهو يؤم الناس رافعًا صوته في المكتوبة إذا فرغ من أمّ القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم، فهلا أخذوا بهذا، كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في الصحيح عنه [البخاري في "باب القراءة في الفجر" ص 106، ومسلم في "باب وجوب قراءة الفاتحة" ص 170.]، فما أسمعنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أمّ القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير، وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة، وهو الراوي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ [حديث أبي هريرة هذا أخرجه في "صحيحه" - في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة" ص 169.]، قال: يقول اللّه تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي. ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: قال: فغمز ذراعي، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول: "قال اللّه: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي. ونصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: - الأحاديث التي استدل به الخطيب: فمنها حديث أخرجه عن أبي أويس، واسمه "عبد اللّه بن أويس" قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان إذا أمَّ الناس جهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وهذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه" [الدارقطني: ص 115، وفيه : افتتح الصلاة "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" وفي رواية: إذا أمّ قرأ، وكذا البيهقي: ص 47 - ج 2، وفيه: قرأ.]. وابن عدي في "الكامل" فقالا فيه: قرأ (يتبع...) (تابع... 3): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... [وهو المحفوظ عن أبي أويس "دراية" ص 73.]، عوض: جهر، وكأنه رواه بالمعنى، ولو ثبت هذا عن أبي أويس، فهو غير محتج به، لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء، وخالفه فيه من هو أوثق منه، مع أنه متكلم فيه، فوثقه جماعة، وضعفه آخرون، وممن ضعفه أحمد بن حنبل، وابن معين. وأبو حاتم الرازي، وممن وثقه الدارقطني. وأبو زرعة، وقال ابن عدي: يكتب حديثه، وروى له مسلم في "صحيحه"، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة، إذ لم يسلم من كلام الناس، إلا من عصمه اللّه، بل خرج في "الصحيح" لخلق ممن تكلم فيهم، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي. والحارث بن عبد الأيادي [في نسخة "الأباري".]. وأيمن بن نابل الحبشي. وخالد بن مخلد القطواني. وسويد بن سعيد الحرثاني. ويونس بن أبي إسحاق السبيعي. وغيرهم، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما اللّه إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه [قال ابن القيم في "الهدى" ص 96: مجيبًا عما عيب على مسلم إخراج حديث من تكلم فيه: ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعفه جميع أحاديث سيء الحفظ، فالأولى: طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية: طريقة ابن حزم وأمثاله، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن، واللّه المستعان، اهـ.] ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلًا، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي"، لأنه لم يتفرد به، بل رواه غيره من الأثبات، كمالك. وشعبة. وابن عيينة، فصار حديثه متابعة، وهذه العلة راجت على كثير ممن استدرك على "الصحيحين" فتساهلوا في استدراكهم، ومن أكثرهم تساهلًا الحاكم أبو عبد اللّه في "كتابه المستدرك"، فإنه يقول: هذا حديث على شرط الشيخين، أو أحدهما، وفيه هذه العلة، إذ لا يلزم من كون الراوي محتجًا به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث، كان ذلك الحديث على شرطه، لما بيناه، بل الحاكم كثيرًا ما يجيء إلى حديث لم يخرج لغالب رواية في الصحيح، كحديث روي عن عكرمة عن ابن عباس، فيقول فيه: هذا حديث على شرط البخاري "يعني لكون البخاري أخرج لعكرمة"، وهذا أيضًا تساهل، وكثيرًا ما يخرج حديثًا بعض رجاله للبخاري، وبعضهم لمسلم، فيقول: هذا على شرط الشيخين، وهذا أيضًا تساهل، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا "الصحيح" عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه، أو لعدم ضبطه حديثه، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه، أو لغير ذلك، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ، ثم يقول: هذا على شرط الشيخين، أو البخاري. أو مسلم، وهذا أيضًا تساهل، لأن صاحبي "الصحيح" لم يحتجا به إلا في شيخ معين، لا في غيره، فلا يكون على شرطهما، وهذا كما أخرج البخاري. ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال. وغيره، ولم يخرجا حديثه عن عبد اللّه بن المثنى، فإن خالدًا غير معروف بالرواية عن ابن المثنى، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى: هذا على شرط البخاري. ومسلم كان متساهلًا، وكثيرًا ما يجيء إلى حديث فيه رجل ضعيف أو متهم بالكذب، وغالب رجاله رجال الصحيح، فيقول: هذا على شرط الشيخين. أو البخاري. أو مسلم، وهذا أيضًا تساهل فاحش، ومن تأمل كتابه "المستدرك" تبين له ما ذكرناه، قال ابن دحية في كتابه "العلم" المشهور: ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد اللّه، فإنه كثير الغلط ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده، وقلده في ذلك، والمقصود من ذلك أن حديث أبي أويس هذا لم يترك لكلام الناس فيه، بل لتفرده به، ومخافة الثقات له، وعدم إخراج أصحاب المسانيد. والكتب المشهورة. والسنن المعروفة، ورواية مسلم الحديث في "صحيحه" من طريقه، وليس فيه ذكر البسملة، واللّه أعلم. - طريق آخر أخرجه الدارقطني عن خالد [متروك "دراية".] بن الياس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "علمني جبرئيل الصلاة، فقام فكبر لنا، ثم قرأ: "بسم اللّه الرحمن الرحيم" فيما يجهر به في كل ركعة"، انتهى. وهذا إسناد ساقط، فإن خالد بن الياس مجمع على ضعفه، قال البخاري عن الإمام أحمد: إنه منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال البخاري: ليس بشيء، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات، وقال الحاكم: روى عن المقبري. ومحمد بن المنكدر. وهشام بن عروة أحاديث موضوعة، وتكلم الدارقطني في "العلل" على هذا الحديث، وصوب وقفه. - طريق آخر أخرجه الدارقطني أيضًا [ص 116.] عن جعفر بن مكرم ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي هلال عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا "بسم اللّه الرحمن الرحيم" إنها أمَّ القرآن. وأمَّ الكتاب. والسبع المثاني، و "بسم اللّه الرحمن الرحيم" أحد آياتها"، قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحًا فحدثني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله، ولم يرفعه، قال عبد الحق في "أحكامه الكبرى": رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر، هو ثقة، وثقه أحمد. وابن معين، وكان سفيان الثوري يضعفه، ويحمل عليه، ونوح ثقة مشهور، انتهى. وهذا ليس فيه دلالة على الجهر، ولئن سلم فالصواب فيه الوقف، كما هو في متن الحديث، وقال الدارقطني في "علله": هذا حديث يرويه نوح بن أبي بلال، واختلف عليه فيه، فرواه عبد الحميد بن جعفر عنه، واختلف عنه، فرواه المعافي بن عمران عن عبد الحميد عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا، رواه أسامة بن زيد. وأبو بكر الحنفي عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة موقوفًا، وهو الصواب، فإن قيل: إن هذا موقوف في حكم المرفوع، إذ لا يقول الصحابي: إن البسملة - أحد آيات الفاتحة - إلا عن توقيف، أو دليل قوي ظهر له، وحينئذ يكون لها حكم سائر آيات الفاتحة من الجهر والإِسرار، قلت: لعل أبا هريرة سمع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقرأها فظنها من الفاتحة، قال: إنها إحدى آياتها، ونحن لا ننكر أنها من القرآن، ولكن النزاع وقع في مسألتين: إحداهما: أنها آية من الفاتحة. والثانية: أن لها حكم سائر آيات الفاتحة جهرًا وسرًا، ونحن نقول: إنها آية مستقلة قبل السورة، وليست منها، جمعًا بين الأدلة، وأبو هريرة لم يخبر عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال: هي إحدى آياتها، وقراءتها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك، وإذا جاز أن يكون مسند أبي هريرة قراءة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لها، وقد ظهر أن ذلك ليس بدليل على محل النزاع، فلا يعارض به أدلتنا الصحيحة الثابتة. وأيضًا فالمحفوظ الثابت عن سعيد المقري عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة، كما رواه البخاري في "صحيحه [في "تفسير الحجر" ص 683، والترمذي في "فضل القرآن - في باب فضل فاتحة الكتاب" ص 111 - ج 2.]" من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "الحمد للَّه هي أمَّ القرآن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم"، ورواه أبو داود. والترمذي، وقال: حسن صحيح، هذا، مع أن عبد الحميد بن جعفر ممن تكلم فيه، ولكن وثقه أكثر العلماء، واحتج به مسلم في "صحيحه"، وليس تضعيف من ضعفه مما يوجب رد حديثه، ولكن الثقة قد يغلط، والظاهر أن غلط هذا الحديث، واللّه أعلم، قال الخطيب: وقول الخصم: إن الجهر بالبسملة انفرد به عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أبو هريرة، غير صحيح، بل رواه غيره من الصحابة. - حديث آخر عن علي بن أبي طالب، وله طريقان: أحدهما: رواه الحاكم في "مستدركه" [في "العيدين - في باب تكبيرات العيد سوى الافتتاح" ص 299 - ج 1، الدارقطني: ص 182 من طريقين واهيين.] عن سعيد بن عثمان الخراز ثنا عبد الرحمن بن سعيد المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي. وعمار أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يجهر في المكتوبات "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وقال: صحيح الإسناد، ولا أعلم في رواته منسوبًا إلى الجرح، وتعقبه الذهبي في "مختصره"، فقال: هذا خبر واهٍ، كأنه موضوع، لأن عبد الرحمن صاحب مناكير، ضعفه ابن معين، وسعيد إن كان الكريزي [في نسخة "الكوبري".] فهو ضعيف، وإلا فهو مجهول، انتهى. وعن الحاكم رواه البيهقي في "المعرفة" بسنده ومتنه، وقال: إسناده ضعيف، إلا أنه أمثل من حديث جابر الجعفي، قلت: وفطر بن خليفة، قال السعدي: غير ثقة، روى له البخاري مقرونًا بغيره. والأربعة، وتصحيح الحاكم لا يعتد به، سيما في هذا الموضع، فقد عرف تساهله في ذلك، وقال ابن عبد الهادي: هذا حديث باطل، ولعله أُدخل عليه. الطريق الثاني: رواه الدارقطني في "سننه" عن أسيد بن زيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل عن علي. وعمار نحوه، وعمرو بن شمر. وجابر الجعفيان، كلاهما لا يجوز الاحتجاج به، لكن عمرو أضعف من جابر، قال الحاكم: عمرو بن شمر كثير الموضوعات عن جابر. وغيره، وإن كان جابر مجروحًا، فليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عنه غير عمرو بن شمر، فوجب أن يكون الحمل فيها عليه، وقال الجوزجاني: عمرو بن شمر زائغ كذاب، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي. والدارقطني. والأزدي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: كان رافضيًا يسبُّ الصحابة، وكان يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وأما جابر الجعفي، فقال فيه الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر، وكذبه أيضًا أيوب. وزائدة. وليث بن أبي سليم . والجوزجاني. وغيرهم، وقال ابن عدي: هو إلى الضعف أقرب، وقد احتمله الناس، ورووا عنه عامة ما جرحوا به، أنه كان يؤمن بالرجعة، كان يقول: إن عليًا يرجع إلى الدنيا، ولم يختلف أحد في الرواية عنه، انتهى. وأسيد بن زيد أيضًا كذبه ابن معين، وتركه النسائي، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن ماكولا: ضعفوه، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المناكير، ويسرق الحديث، ويحدث به، وله طريق آخر عند الدارقطني أيضًا عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي، قال: كان عليه السلام يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" في السورتين جميعًا: الفاتحة. والتي بعدها، وعيسى هذا والد أحمد بن عيسى المتهم بوضع حديث ابن عمر، وهو وضاع، قال ابن حبان والحاكم روى عن آبائه أحاديث موضوعة لا يحل الاحتجاج بها. - حديث آخر عن ابن عباس، وله ثلاث طرق: أحدها: عند الحاكم في "المستدرك" عن عبد اللّه بن عمرو بن حسان ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، انتهى. قال الحاكم: إسناده صحيح، وليس له علة [قال الذهبي في "مختصره": كذا قال المصنف. وابن حبان: كذبه غير واحد، ومثل هذا لا يخفى على المصنف، اهـ.]، وقد احتج البخاري لسالم هذا، وهو ابن عجلان الأفطس، واحتج مسلم بشريك، انتهى. وهذا الحديث غير صريح. ولا صحيح، فأما كونه غير صريح، فإنه ليس فيه: أنه: في الصلاة، وأما غير صحيح، فإن عبد اللّه بن عمرو بن حسان الواقعي [في نسخة "الوافقي".] كان يضع الحديث، قاله إمام الصنعة علي بن المديني، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ليس بشيء، كان يكذب، وقال ابن عدي: أحاديثه مقلوبات، وفي الحاكم: احتج مسلم بشريك نظر، فإنه إنما روى له في "المتابعات" لا في "الأصول". الطريق الثاني: عند الدارقطني عن أبي الصلت الهروي، واسمه "عبد السلام بن صالح" ثنا عباد بن العوام ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر في الصلاة "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وهذا أضعف من الأول، فإن أبا الصلت متروك، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ليس عندي بصدوق، ولم يحدثني عنه، وأما أبو زرعة فإنه ضرب على حديثه، وقال: لا أحدث عنه، ولا أرضاه، وقال الدارقطني: رافضي خبيث، اتهم بوضع "الإيمان إقرار باللسان، وعمل بالأركان"، انتهى. وكأن هذا الحديث - واللّه أعلم - مما سرقه أبو الصلت من غيره، وألزقه بعباد بن العوام، وزاد فيه: إن الجهر في الصلاة، فإن غير أبي الصلت رواه عن عباد، فأرسله، وليس فيه: أنه في الصلاة، قال أبو داود في "مراسيله": حدثنا عباد بن موسى ثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" بمكة، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة - الرحمن - فقالوا: إن محمدًا يدعو إلى إله اليمامة، فأمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأخفاها، فما جهر بها حتى مات، انتهى. وقال إسحاق بن راهويه في "مسنده": أنبأ يحيى بن آدم أنبأ شريك عن سالم الأفطس عن سعيد، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" يمدُّ بها صوته، وكان المشركون يهزؤون، مُكاءًا وتصديةً، ويقولون: يذكر إله اليمامة "يعنون مسيلمة"، ويسمونه - الرحمن - ، فأنزل اللّه تعالى: (يتبع...) (تابع... 4): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... [في "تفسير - بني إسرائيل ص 687.] عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت في هذه الآية: [في "السنن الكبرى" ص 47 - ج 2.] من طريق إسحاق بن راهويه عن معتمر بن سليمان، قال: سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان يحدث عن أبي خالد عن ابن عباس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يقرأ: "بسم اللّه الرحمن الرحيم" في الصلاة "يعني يجهر بها، انتهى. هكذا رواه بهذا اللفظ، وهذا التفسير ليس من قول ابن عباس: إنما هو قول غيره من الرواة، وكل من روى هذا الحديث بلفظ الجهر، فإنما رواه بالمعنى، مع أنه حديث لا يحتج به على كل حال، وله طريق خامس: عند الدارقطني عن عمرو بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يزل يجهر في السورتين "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" حتى قبض، انتهى. وهذا لا يجوز الاحتجاج به، فإن عمر بن حفص ضعيف، قال ابن الجوزي في "التحقيق": أجمعوا على ترك حديثه، وروى البيهقي له حديثًا [في "باب من طلب باجتهاده جهة القبلة" ص 10 - ج 2.] عنه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض" ثم قال البيهقي: تفرد به عمر بن حفص المكي، وهو ضعيف لا يحتج به، والحمل فيه عليه، انتهى. ثم ذكر الخطيب لحديث ابن عباس طرقًا أخرى، ليست صحيحة. ولا صريحة، وقال ابن عبد الهادي: الجواب عن حديث ابن عباس يتوجه من وجوه: أحدها: الطعن في صحته فإن مثل هذه الأسانيد لا يقوم بها حجة، لو سلمت من المعارض، فكيف وقد عارضها الأحاديث الصحيحة؟. وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث، حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة. الثاني: أن المشهور في متنه لفظ الاستفتاح لا لفظ الجهر، الثالث: أن قوله: جهر إنما يدل على وقوعه مرة، لأن كان يدل على وقوع الفعل، وأما استمراره فيفتقر إلى دليل من خارج، وما روي من أنه لم يزل يجهر بها فباطل، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. الرابع: أنه روي عن ابن عباس ما يعارض ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس، قال: الجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" قراءة الأعراب، وكذلك رواه الطحاوي [في "شرح الآثار" ورواه البزار من طريق آخر، وفيه أبو سعد البقال، وهو ثقة مدلس، وقد عنعنه، وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله في "الزوائد".] ويقوي هذه الرواية عن ابن عباس ما رواه الأثرم بإسناد ثابت عن عكرمة تلميذ ابن عباس أنه قال: أنا أعرابي إن جهرت "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وكأنه أخذه عن شيخه ابن عباس، واللّه أعلم. طريق سادس: لحديث ابن عباس، قال الدارقطني: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن رشد بن خيثم عن سعيد بن خيثم ثنا سفيان الثوري عن عاصم عن سعيد بن جبير أنه كان يجهر في السورتين "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وقال: حدثنا ابن عباس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يجهر بها فيهما، انتهى. وهذا أيضًا لا يصح، وسعيد بن خيثم تكلم فيه ابن عدي. وغيره، والحمل فيه على ابن أخيه أحمد بن رشد بن خيثم، فإنه متهم، وله أحاديث أباطيل، ذكرها الطبراني. وغيره، وروى له الخطيب في "أول تاريخه" حديثًا موضوعًا، هو الذي صنعه بسنده إلى العباس أنه عليه السلام، قال له: "أنت عمّي، وصنو أبي، وابنك هذا أبو الخلفاء من بعدي: منهم السفاح. ومنهم المنصور. ومنهم المهدي"، مختصر، والراوي عنه هو ابن عقدة الحافظ، وهو كثير الغرائب والمناكير، روى في الجهر أحاديث كثيرة عن ضعفاء. وكذابين. ومجاهيل، والحمل فيهما عليهم لا عليه. - حديث آخر عن ابن عمر، قال الدارقطني: حدثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ثنا جعفر بن محمد بن مروان ثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر، قال: صليت خلف النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وأبي بكر. وعمر، فكانوا يجرون "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، انتهى. وهذا باطل من هذا الوجه، لم يحدث به ابن أبي فديك قط، والمتهم به أحمد بن عيسى بن عبد اللّه بن محمد أبو طاهر الهاشمي، وقد كذبه الدارقطني، وهو كما قال، فإن من روى مثل هذا الحديث عن مثل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الثقة المشهور المخرج له في "الصحيحين" عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب الإِمام المشهور عن نافع عن ابن عمر، فإنه يكون كاذبًا في روايته، وعمر بن الحسن الشيباني شيخ الدارقطني تكلم فيه الدارقطني أيضًا، وقال: هو ضعيف، وقال الخطيب: سألت الحسن بن محمد الخلال عنه، فقال: ضعيف، وأما جعفر بن محمد بن مروان من أهل الكوفة، فليس مشهورًا بالعدالة، وقد تكلم فيه الدارقطني أيضًا، وقال: لا يحتج به، وقد روى الحافظ أبو محمد الرامهرمزي في أول "كتاب المحدث الفاصل" حديثًا موضوعًا لأحمد بن عيسى، هو المتهم به، فقال: حدثنا أبو حصين الوادعي ثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى العلوي ثنا ابن أبي فديك ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس عن علي، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "اللّهم ارحم خلفائي، قلنا: من خلفاؤك؟ قال: الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس"، انتهى. وأبو عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وضّاع أيضًا، وقد تقدم ذكره في حديث علي بن أبي طالب. وله طريق آخر عند الخطيب عن عبادة بن زياد الأسدي عن أبي يونس بن أبي يعفور العبدي عن المعتمر بن سليمان عن أبي عبيدة عن مسلم بن حبان، قال: صليت خلف ابن عمر فجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" في السورتين، فقيل له، فقال: صليت خلف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حتى قبض. وخلف أبي بكر حتى قبض. وخلف عمر حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين، فلا أدع الجهر حتى أموت، انتهى. وهذا أيضًا باطل، وعَبادة بن زياد الأسدي "بفتح العين". قال أبو حاتم: كان من رؤساء الشيعة، وقال الحافظ محمد النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وشيخه يونس بن أبي يعفور العبدي فيه مقال، فوثقه بعضهم، وروى له مسلم في "صحيحه"، وضعفه النسائي. وابن معين، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج عندي بما انفرد به، ومسلم ابن حبان فغير معروف، والصواب في حديث ابن عمر الوقف عليه، كما ذكره البيهقي. وغيره أنه كان يقرأ البسملة للفاتحة وللسورة، وقد يجهر بها أحيانًا، أو لتعليم المأمومين، أو لغير ذلك من الأسباب، واللّه أعلم. - حديث آخر عن النعمان بن بشير أخرجه الدارقطني في "سننه" عن يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي ثنا أحمد بن حماد الهمداني عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "أمّني جبرئيل عند الكعبة فجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، انتهى. وهذا حديث منكر، بل موضوع، ويعقوب بن يوسف الضبي ليس بمشهور، وقد فتشت عليه في عدة كتب من الجرح والتعديل، فلم أر له ذكرًا أصلًا، ويحتمل أن يكون هذا الحديث مما عملته يداه، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني. والخطيب. وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدًا، ولم يعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا على فطر بن خليفة، وهو تقصير منه، وإذ لو نسب إليه لكان حديثًا حسنًا، وكأنه اعتمد على قول السعدي فيه: هو زائغ غير ثقة، ليس هذا بطائل، فإن فطر بن خليفة روى له البخاري في "صحيحه" ووثقه أحمد بن حنبل. ويحيى بن القطان. وابن معين. - حديث آخر عن االحكم بن عمير، قال الدارقطني: حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر الكوفي ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار ثنا إبراهيم بن حبيب ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي عن الحكم بن عمير - وكان بدريًا - قال: صليت خلف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" في صلاة الليل. وصلاة الغداة. وصلاة الجمعة، انتهى. وهذا من الأحاديث الغريبة المنكرة، بل هو حديث باطل لوجوه: أحدهما: أن الحكم بن عمير ليس بدريًا، ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا يعرف له صحبة، فإن موسى بن حبيب الراوي عنه لم يلق صحابيًا، بل هو مجهول لا يحتج بحديثه، قال ابن أبي حاتم في "كتاب الجرح والتعديل": الحكم بن عمير روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أحاديث منكرة لا تذكر سماعًا ولا لقاءًا، روى ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو ضعيف الحديث، سمعت أبي يذكر ذلك، وقال الدارقطني: موسى بن أبي حبيب شيخ ضعيف الحديث، وقد ذكر الطبراني في "معجمه الكبير" الحكم بن عمير، وقال في نسبته: الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثًا منكرًا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه، وروى له ابن عدي في "الكامل" قريبًا من عشرين حديثًا، ولم يذكر فيها هذا الحديث، والراوي عن موسى هو إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعه، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها، كبقي بن مخلد. وابن عدي. والطبراني، وإنما رواه - فيما علمنا - الدارقطني، ثم الخطيب، ووهم الدارقطني، فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، وزاد وَهْمًَا ثانيًا، فقال: الضبي "بالضاد والباء"، وإنما الصيني "بصاد مهملة ونون". حديث آخر عن أم سلمة، رواه الحاكم في "المستدرك [ص 232] عن عمر بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قرأ في الصلاة "بسم اللّه الرحمن الرحيم" فعدها آية [قال النووي في "شرح المهذب" ص 346، قال أبو محمد: لما وقف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على هذه المقاطيع أخبر عنه أن عند كل مقطع آية، لأنه جمع عليه أصابعه، فبعض الرواة حين حدث بهذا الحديث نقل ذلك، زيادة في البيان، وفي عمر بن هارون هذا كلام بعض الحفاظ، إلا أن حديثه أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" اهـ.] "الحمد للّه رب العالمين" آيتين "الرحمن الرحيم" ثلاث آيات، إلى آخره، قال الحاكم: وعمر بن هارون أصل في السنة، وإنما أخرجته شاهدًا، انتهى. وهذا ليس بحجة لوجوه: أحدها: أنه ليس بصريح في الجهر، ويمكن أنها سمعته سرًا في بيتها لقربها منه. والثاني: أن مقصودها الإخبار بأنه كان يرتل قراءته حرفًا حرفًا، ولا يسردها، وقد رواه هو "أعني الحاكم" من حديث همام ثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، قالت: كانت قراءة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فوصفت "بسم اللّه الرحمن الرحيم" حرفًا حرفًا، قراءة بطيئة، وقال: على شرط الشيخين، وقال الدارقطني: إسناده صحيح، ورواه أبو داود [في "أبواب الوتر - باب كيف يستحب الترتيل في القراءة" ص 214، والنسائي في "الصلاة" - في باب تزيين القرآن بالصوت" ص 158، وفي "صلاة الليل - في باب ذكر صلاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ص 242، والترمذي في "أبواب القراءة" ص 116 - ج 2]. والترمذي. والنسائي من حديث يعلى بن مملك، أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. الثالث: أن المحفوظ فيه والمشهور أنه ليس في الصلاة، وإما قوله: في الصلاة زيادة من عمر بن هارون، وهو مجروح، تكلم فيه غير واحد من الأئمة، قال أحمد بن حنبل: لا أروي عنه شيئًا، وقال ابن معين: ليس بشيء، وكذبه ابن المبارك، وقال: قدم عمر بن هارون مكة بعد موت جعفر بن محمد، فزعم أنه رآه وحدث عنه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال صالح: جزرة، كان كذابًا. وسئل عنه ابن المديني، فضعفه جدًا، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات، ويدعي شيوخًا لم يرهم، وقد رواه الطحاوي [ص 117، والحاكم في "المستدرك" ص 232، أي بدون قوله: فعدها آية فيها] من حديث حفص بن غياث ثنا أبي عن ابن جريج به، بمثل حديث عمرو بن هارون، ثم أخرجه عن ابن مليكة به بلفظ السنن، ثم قال: فقد اختلف الذين رووه في لفظه، فانتفى أن يكون حجة، وكأنه لم يعتد بمتابعة غياث لعمر بن هارون، لشدة ضعف ابن هارون. الرابع: أن يقال: غاية ما فيه أنه عليه السلام جهر بها مرة أو نحو ذلك، وليس فيه دليل على أن كل إمام يجهر بها في صلاة الجهر دائمًا، ولو كان ذلك معلومًا عندهم لم يختلف فيه، ولم يقع فيه شك، ولم يحتج أحد إلى أن يسأل عنه، ولكان من جنس جهره عليه السلام بغيرها، ولما أنكره عبد اللّه بن المغفل، وعدَّه حدثًا، ولكان الرجال أعلم به من النساء، واللّه أعلم. - حديث آخر، رواه الحاكم في "مستدركه (يتبع...) (تابع... 5): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... [ص 233، والدارقطني: ص 116]" والدارقطني في "سننه" من حديث محمد بن أبي المتوكل بن أبي السري، قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها: الصبح. والمغرب، فكان يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وقال المعتمر: ما آلو أن اقتدى بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما آلو أن اقتدي بصلاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى. قال الحاكم: رواته كلهم ثقات، وهو معارض بما رواه ابن خزيمة في "مختصره". والطبراني في "معجمه" عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس، أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يسر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، في الصلاة. وأبو بكر وعمر، انتهى. وفي الصلاة زادها ابن خزيمة، وله طريق آخر عند الحاكم أيضًا أخرجه عن محمد بن أبي السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس، قال: صليت خلف النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وأبي بكر. وعمر. وعثمان. وعلي، فكلهم كانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، قال الحاكم: وإنما ذكر به شاهدًا، قال الذهبي في "مختصره": أما استحى الحاكم يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع، فأنا أشهد باللّه، واللّه إنه لكذب، وقال ابن عبد الهادي: سقط منه "لا"، ومحمد بن أبي السري، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: لين الحديث، مع أنه قد اختلف عليه فيه، فقيل عنه كما تقدم، وقيل عنه: عن المعتمر عن أبيه عن أنس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يسر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، وأبو بكر. وعمر، هكذا أخرجه الطبراني، وقيل عنه: بهذا الإسناد، وفيه الجهر، كما رواه الحاكم، وقال: رجاله ثقات، وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في "الصحيح" خلافه، لما عرف من تساهله، حتى قيل: إن تصحيحه دون تصحيح الترمذي. والدارقطني، بل تصحيحه كتحسين الترمذي، وأحيانًا يكون دونه، وأما ابن خزيمة. وابن حبان فتصحيحهما أرجح من تصحيح الحاكم بلا نزاع، فكيف تصحيح البخاري. ومسلم، كيف! وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى أن شعبة سأل قتادة عن هذا، فقال: أنت سمعت أنسًا يذكر ذلك؟ فقال: نعم، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر، ونقل شعبة عن قتادة: ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع درجات الصحيح عند أهله، فإن قتادة أحفظ أهل زمانه، وإتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم، وهذا مما يرد به قول من يزعم أن بعض الرواة روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه من قوله: كانوا يستفتحون الصلاة "بالحمد للّه رب العالمين"، ففهم من هذا نفي قراءتها، فرواه من عنده، فإن هذا قول من هو أبعد الناس علمًا برواية هذا الحديث، وألفاظهم الصريحة التي لا تقبل التأويل. وبأنهم من العدالة والضبط من الغاية التي لا تحتمل المجازفة، أو أنه مكابر صاحب هوى، فيتبع هواه، ويدع موجب الدليل، واللّه أعلم. وله طريق آخر عند الخطيب عن ابن أبي داود عن ابن أخي ابن وهب عن عمه العمري. ومالك، وابن عيينة عن حميد عن أنس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" في الفريضة، انتهى. قال ابن عبد الهادي: سقط منه "لا" كما رواه الباغندي [في نسخة "الباعدي" كما في الدراية" ص 74.]. وغيره عن أبن أخي ابن وهب، هذا هو الصحيح، وأما الجهر فلم يحدث به ابن وهب قط، ويوضحه أن مالكًا رواه في "الموطأ" عن حميد عن أنس، قال: قمت وراء أبي بكر الصديق. وعمر. وعثمان، فكلهم لا يقرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم" إذا افتتحوا الصلاة، قال ابن عبد البر في "التقصي": هكذا رواه عن جماعة موقوفًا، ورواه ابن أخي ابن وهب عن مالك. وابن عيينة. والعمري عن حميد عن أنس مرفوعًا فقال: إن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وأبا بكر. وعمر. وعثمان لم يكونوا يقرؤون، قال: وهذا خطأ من ابن أخي ابن وهب في رفعه ذلك عن عمه عن مالك، فصار هذا الذي رواه الخطيب خطأ على خطأ، والصواب فيه عدم الرفع. وعدم الجهر، واللّه أعلم، وذكر الخطيب، وغيره لحديث أنس طرقًا أخرى: فيها الجهر، إلا أنه ليس فيها قوله: في الصلاة، فلا حجة فيها، وهو الصحيح عن أنس، كما رواه البخاري [في "أواخر التفسير" ص 754. (يتبع...) (تابع... 8): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... ] عن أنس أنه سئل عن قراءة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: كانت مدًا، ثم قرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم" بمدّ "بسم اللّه" وبمد "الرحمن" ويمد "الرحيم"، وروى مسلم عنه [في "باب من قال: البسملة آية من أول السورة" ص 172. ] أيضًا، قال: نزلت عليّ آنفًا سورة، فقرأ: {بسم اللّه الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1].إلى آخرها، وهذا هو الصحيح عن أنس أنه روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قراءة البسملة، وليس فيه ذكر الصلاة أصلًا، ونظيره حديث أم سلمة [عند الحاكم في "المستدرك" ص 232 - ج 1.] أنه عليه السلام كان يقرأ: - حديث آخر، موقوف، ولكنه في حكم المرفوع، أخرجه الحاكم في "المستدرك [ص 233 - ج 1.]" عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك، قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة، فبدأ "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" لأمِّ القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، حتى قضى تلك الصلاة، ولم يكبر حين يهوي، حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذاك من المهاجرين. والأنصار، ومن كان على مكانه: يا معاوية، أسرقت الصلاة، أم نسيت؟! أين "بسم اللّه الرحمن الرحيم"، وأين التكبير إذا خفضت، وإذا رفعت؟! فلما صلى بعد ذلك قرأ: "بسم اللّه الرحمن الرحيم" للسورة التي بعد أمِّ القرآن، وكبر حين يهوي ساجدًا، انتهى. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ورواه الدارقطني، وقال: رواته كلهم ثقات، وقد اعتمد الشافعي رحمه اللّه على حديث معاوية هذا في إثبات الجهر، وقال الخطيب: هو أجود ما يعتمد عليه في هذا الباب، والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن مداره على عبد اللّه بن عثمان بن خيثم، وهو وإن كان من رجال مسلم لكنه متكلم فيه، أسند بن عدي إلى ابن معين أنه قال: أحاديثه غير قوية وقال النسائي: لين الحديث، ليس بالقوي فيه، وقال الدارقطني: ضعيف ليَّنوه، وقال ابن المديني: منكر الحديث. وبالجملة فهو مختلف فيه، فلا يقبل ما تفرد به، مع أنه قد اضطرب في إسناده ومتنه، وهو أيضًا من أسباب الضعف، أما في "إسناده" فغن ابن خيثم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص عن أنس، وتارة يرويه عن إسماعيل ين عبيد بن رفاعة عن أبيه [وهاتان الروايتان عند الدارقطني: ص 117، وعند الشافعي في "كتاب الأم ص 93 - ج 1، وعند البيهقي: ص 49 - ج 2.]، وقد رجح الأولى البيهقي في "كتاب المعرفة" لجلالة راويها، وهو ابن جريج، ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية، ورواه ابن خيثم أيضًا عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده، فزاد ذكر الجد كذلك، رواه عنه إسماعيل بن عياش، وهي عند الدارقطني، والأولى عنده، وعند الحاكم، والثانية عند الشافعي، وأما الاضطراب في متنه" فتارة يقول: صلى، فبدأ "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" لأمِّ القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، كما تقدم عند الحاكم، وتارة يقول: فلم يقرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم" حين افتتح القرآن، وقرأ بأمِّ الكتاب، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عياش، وتارة يقول: فلم يقرأ "بسم اللّه الرحمن الرحيم" لأمِّ القرآن ولا للسورة التي بعدها، كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج، ومثل هذا الاضطراب في السند والمتن مما يوجب ضعف الحديث، لأنه مشعر بعدم ضبطه. الوجه الثاني: أن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذًا. ولا معللًا، وهذا شاذ معلل، فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات عن أنس، وكيف يروي أن سمع حديث معاوية هذا محتجًا به، وهو مخالف لما رواه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وعن خلفائه الراشدين، ولم يعرف عن أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسًا كان مقيمًا بالبصرة، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنسًا كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه، واللّه أعلم. الوجه الثالث: أن مذهب أهل المدينة قديمًا وحديثًا ترك الجهر بها، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلًا، قال عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا "بالحمد للِّه رب العالمين"، وقال عبد الرحمن بن القاسم: ما سمعت القاسم يقرأ بها، وقال عبد الرحمن الأعرج: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا "بالحمد للِّه رب العالمين"، ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا شيء يسير، وله محمل، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أوَّلهم، فكيف ينكرون على معاوية ما هو شبههم؟! هذا باطل. الوجه الرابع: أن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة، كما نقلوه، لكان هذا معروفًا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل ذلك عنهم، بل الشاميون كلهم خلفاءهم وعلماءهم، كان مذهبهم ترك الجهر بها، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل لا أصل له. والأوزاعي إمام الشام، ومذهبه في ذلك مذهب مالك، لا يقرأها سرًا ولا جهرًا، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية، ومعلوم أن معاوية قد صلى مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فلو سمع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر بالبسملة لما تركها حتى ينكر عليه رعيته أنه لا يحسن يصلي، وهذه الوجوه من تدبرها علم أن حديث معاوية هذا باطل، أو مغير عن وجهه، وقد يتمحل فيه، ويقال: إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظًا، فإنما هو إنكار لترك إتمام التكبير، لا لترك الجهر بالبسملة، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد، حتى أنه كان مذهب عمر بن عبد العزيز، وهو عدم التكبير حين يهوي ساجدًا بعد الركوع، وحين يسجد بعد القعود، وإلا فلا وجه لإنكارهم عليه ترك الجهر بالبسملة، وهو مذهب الخلفاء الراشدين. وغيرهم من أكابر الصحابة، ومذهب أهل المدينة أيضًا. وبالجملة، فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح، بل فيها عدمهما، أو عدم أحدهما، وكيف تكون صحيحة، وليست مخرجة في شيء من الصحيح، ولا المسانيد، ولا السنن، المشهورة؟! وفي روايتها الكذابون. والضعفاء. والمجاهيل الذين لا يوجدون في التواريخ، ولا في كتب الجرح والتعديل، كعمرو بن شمر. وجابر الجعفي. وحصين بن مخارق. وعمرو بن حفص المكي. وعبد اللّه بن عمرو بن حسان. وأبي الصلت الهروي. وعبد الكريم بن أبي المخارق. وابن أبي علي الأصبهاني، الملقب "بجراب الكذب". وعمرو بن هارون البلخي. وعيسى بن ميمون المدني. وآخرون أضربنا عن ذكرهم، وكيف يجوز أن تعارض برواية هؤلاء، ما رواه البخاري. ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الأثبات: ومنهم قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه، ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في الحديث، وتلقاه الأئمة بالقبول، ولم يضعفه أحد بحجة إلا من ركب هواه، وحمله فرط التعصب على أن علله، ورد باختلاف ألفاظه، مع أنها ليست مختلفة، بل يصدق بعضها بعضًا، كما بينا، وعارضه بمثل حديث ابن عمر الموضوع، أو بمثل حديث معاوية الضعيف، ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا، فجعل الصحيح ضعيفًا، والضعيف صحيحًا، والمعلل سالمًا من التعليل، والسالم من التعليل معللًا سقط الكلام، وهذا ليس بعدل، واللّه يأمر بالعدل، وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب، ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم، ومسائل الدِّين، فالبخاري رحمه اللّه مع شدة تعصبه وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثًا واحدًا، ولا كذلك مسلم رحمه اللّه، فإنهما لم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء، ولا يقال في دفع ذلك: إنهما لم يلتزما أن يودعا في "صحيحيهما" كل حديث صحيح، يعني فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة، وهذا لا يقوله إلا سخيف أو مكابر، فإن مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل ومعضلات الفقه، ومن أكثرها دورانًا في المناظرة وجولانًا في "المصنفات"، والبخاري كثير التتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة، فيذكر الحديث، ثم يعرض بذكره، فيقول: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: كذا وكذا، وقال بعض الناس: كذا وكذا، يشير ببعض الناس إليه، ويشنع لمخالفة الحديث عليه، وكيف يخلي كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة، وهو يقول في أول كتابه: "باب الصلاة من الإيمان"، ثم يسوق أحاديث الباب، ويقصد الرد على أبي حنيفة؟ قوله: إن الأعمال ليست من الإيمان، مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء، ومسألة الجهر يعرفها عوام الناس ورعاعهم، هذا مما لا يمكن، بل يستحيل، وأنا أحلف باللّه، وباللّه لو اطلع البخاري على حديث منها موافق بشرطه، أو قريبًا من شرطه لم يخل منه كتابه، ولا كذلك مسلم رحمه اللّه، ولئن سلمنا فهذا أبو داود. والترمذي. وابن ماجه. مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة، والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا منها شيئًا، فلولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة، وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينا ضعفه، والجواب عنه من وجوه متعددة، وأخرج الحاكم منها: حديث علي, ومعاوية، وقد عرف تساهله، وباقيها عند الدارقطني في "سننه" التي مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة، وقد بيناها حديثًا حديثًا، واللّه أعلم. (يتبع...) (تابع... 6): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... - الآثار في ذلك: - فمنها ما رواه البيهقي في "الخلافيات". والطحاوي في "كتابه" من حديث عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه، قال: صليت خلف عمر رضي اللّه عنه، فجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". وكان أبي [وكان أبي "أي قال سعيد: وكان أبي" الخ. كما في "الدراية".] يجهر بها، انتهى. وهذا الأثر مخالف للصحيح الثابت عن عمر: أنه كان لا يجهر، كما رواه أنس، وقد روى عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضًا عدم الجهر، وروى الطحاوي [ص 120، وقال في "الزوائد" ص 108 - ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: أبو سعد البقال، وهو ثقة، مدلس، اهـ.] بإسناده عن أبي وائل، قال: كان عمر. وعلي لا يجهران "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". فإن ثبت هذا عن عمر، فيحمل أي أنه فعله مرة، أو بعض أحيانٍ، لأحد الأسباب المتقدمة، واللّه أعلم. ومنها ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر. وعمر. وعثمان. وعليًا كانوا يجهرون "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". انتهى. وهذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي، أجمعوا على ترك الاحتجاج به، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: كذاب ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وقال النسائي: متروك الحديث. ومنها ما أخرجه الخطيب أيضًا عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن أبيه، قال: صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كلهم يجهرون "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". وهذا أيضًا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليًا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث، وقال أبو زرعة. وابن معين: ضعيف، ومشاه ابن عدي، فقال: يكتب حديثه، وأما شيخ الخطيب فيه، فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يركب الأسانيد، ونقل الخطيب [في "تاريخه" ص 219 - ج 2.] عن أحمد بن علي الجصاص، قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني "جراب الكذب". ومنها ما أخرجه الخطيب أيضًا من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان، قال: صليت خلف أبي سعيد الخدري. وابن عباس. وأبي قتادة. وأبي هريرة، فكانوا يجهرون "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". وهذا أيضًا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو العربي إن شاء اللّه، وهو شيعي ضعيف، أو هو حسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضًا شيعي ضعيف، أو هو مجهول، وإبراهيم بن أبي يحيى فقد رُمِيَ بالرفض والكذب، وصالح بن نبهان مولى التوءَمة، وقد تكلم فيه مالك. وغيره من الأئمة، وفي إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر، وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وأصحابه، لأن الشيعة ترى الجهر، وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وكان أبو علي بن أبي هريرة، أحد أعيان أصحاب الشافعي يرى ترك الجهر بها، ويقول: الجهر بها صار من شعار الروافض، وغالب أحاديث الجهر نجد في روايتها من هو منسوب إلى التشيع. ومنها ما أخرجه الخطيب أيضًا عن محمد بن أبي السري ثنا المعتمر عن حميد الطويل عن بكر بن عبد اللّه المزني، قال: صليت خلف عبد اللّه بن الزير فكان يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". وقال: ما يمنع أمراءكم أن يجهروا بها إلا الكبر، انتهى. قال ابن عبد الهادي: إسناده صحيح، لكنه يحمل على الإِعلام بأن قراءتها سنة، فإن الخلفاء الراشدين كانوا يسرون بها، فظن كثير من الناس أن قراءتها بدعة، فجهر بها من جهر من الصحابة ليعلموا الناس أن قراءتها سنة، لا أنه فعله دائمًا، وقد ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير ترك الجهر، فاللّه أعلم، وأما أقوال التابعين في ذلك فلست بحجة، مع أنها قد اختلفت، فروى عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن غير واحد منهم تركه، وفي بعض الأسانيد إليهم الضعفة والاضطراب، ويمكن حمل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة، والواجب في مثل هذه المسألة الرجوع إلى الدليل، لا إلى الأقوال، وقد نقل بعض من جمع في هذه المسألة الجهر عن غير واحد من الصحابة. والتابعين. وغيرهم، والمشهور عنهم غيره كما نقل الخطيب الجهر عن الخلفاء الراشدين الأربعة، ونقله البيهقي. وابن عبد البر عن عمر. وعلي المشهور عنهم تركه، كما ثبت ذلك عنهم، قال الترمذي في ترك الجهر: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة: منهم أبو بكر. وعمر. وعثمان. وعلي. وغيرهم من بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري. وابن المبارك. وأحمد. وإسحاق، وكذلك قال ابن عبد البر: لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس، قال: ولا أعلم إن اختلف في الجهر بها عن ابن عمر. وشداد بن أوس. وابن الزبير، وقد ذكر الدارقطني. والخطيب عن ابن عمر عدم الجهر، كذلك روى الطحاوي. والخطيب. وغيرهما عن ابن عباس عدم الجهر، وكذلك ذكر ابن المنذر عن ابن الزبير عدم الجهر، وذكر ابن عبد البر. والخطيب عن عكرمة الجهر، وذكر الأثرم عنه عدمه، وذكر الخطيب. وغيره عن ابن المبارك. وإسحاق الجهر، وذكر الترمذي عنهما تركه، كما تقدم، وذكر الأثرم عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما أدركت أحدًا يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". والجهر بها بدعة، وذكر الطحاوي عن عروة، قال: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا "بالحمد للّه رب العالمين"، وقال وكيع: كان الأعمش. وابن أبي خالد. وابن أبي ليلى. وسفيان. والحسن بن صالح. وعلي بن صالح. ومن أدركنا من مشيختنا لا يجهرون "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". وروى سعيد بن منصور في "سننه" حدثنا خالد عن حصين عن أبي وائل، قال: كانوا يسرون البسملة والتعوذ في الصلاة، حدثنا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة فقال: إنما بفعل ذلك الأعراب، حدثنا عتاب بن بشير ثنا خصيف عن سعيد بن جبير، قال: إذا صليت فلا تجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم". واجهر "بالحمد للَّه رب العالمين". ملخص ما قاله صاحب "التنقيح"، ذكر الأحاديث التي استدل بها الشافعية، ثم قال: هذه الأحاديث في الجملة لا تحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة، ولولا أن يعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في ضعفها إعراض المصنفين للمسانيد، والسنن عن جمهورها، وقد ذكر الدارقطني منها طرفًا في "سننه" فبيّن ضعف بعضها وسكت عن بعضها، وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني [قال ابن تيمية في "فتاواه" ص 27: من جمع هذا الباب "باب جهر التسمية في الصلاة" كالدارقطني والخطيب: وغيرهما، فإنهم جمعوا ما روي، وإذا سئلوا عن صحتها قالوا بمبلغ علمهم، كما قال الدارقطني لما دخل مصر، وسئل أن يجمع أحاديث الجهر بها، فجمعها، فقيل له: هل فيها شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فلا، وأما عن الصحابة: فمنه صحيح. ومنه ضعيف، اهـ.] لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر، فصنف فيه جزءًا، فأتاه بعض المالكية، فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في الجهر فليس بصحيح، وأما عن الصحابة: فمنه صحيح. وضعيف، ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزري على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف، وقد بينا عللّها وخللّها، ثم إنا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين: إما أن يكون جهر بها للتعليم، أو جهر بها جهرًا يسيرًا يسمعه من قرب منه، والمأموم إذا قرب منه الإمام أو حاذاه سمع ما يخافته، ولا يسمى ذلك جهرًا، كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا. والثاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر، فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" وكان مسيلمة يدعى - رحمن اليمامة - ، فقال أهل مكة: إنما يدعو إله اليمامة، فأمر اللّه رسوله بإخفائها، فما جهر بها حتى مات، فهذا يدل على نسخ الجهر، قال: ومنهم من سلك في ذلك مسلك البحث والتأويل، فقال: إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء: أحدها: بكثرة الرواة، فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة: أنس بن مالك. وعبد اللّه بن المغفل، وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيًا. والثاني: أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي، وأحاديث الجهر شهادة على إثبات، والإثبات مقدم على النفي، كما تقدم قول بلال في صلاة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في البيت على قول أسامة. وغيره: إنه لم يصل، قالوا: وبأن أنسًا قد روى عنه إنكار ذلك في الجملة، فروى أحمد [أحمد: ص 166 - ج 3، وص 190 - ج 3 عن سعيد، وفي ص 273 - ج 3 عن قتادة عن أنس، والدارقطني: ص 120] والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد [في نسخة - س - "زيد".] أبي مسلمة [في نسخة "أن مسلمة".]، قال: سألت أنسًا أكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقرأ "بسم اللّه الرحمن، أو الحمد لله رب العالمين؟" قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني عنه أحد قبلك، قال الدارقطني: إسناده صحيح، قلنا: أما اعتراضهم بكثرة الرواة، فالاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين، وأحاديث الجهر ليس فيه صحيح صريح، بخلافه حديث الإِخفاء، فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحاح. والمسانيد المعروفة. والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة، وهو قول ضعيف، لبعد احتمال الغلط على العدد الأكثر، ولهذا جعلت الشهادة على الزنا أربعة، لأنه أكبر الحدود، وأحاديث الجهر، وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة، وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف؟ كحديث: الطير [حديث الطير أخرجه الترمذي في "مناقب علي" من حديث أنس بن مالك، وقال: غريب.]. وحديث الحاجم والمحجوم [إن أراد به حديث: أفطر الحاجم والمحجوم، فقد أخرجه الطحاوي: ص 349 من حديث أبي موسى. وعائشة. ومعقل. وثوبان. وشداد بن أوس. وأبي هريرة، وفي السنن عن بعض هؤلاء، وفي "المستدرك". وابن جارود. والدارمي أيضًا، وبعض الطرق صححه الحاكم، واللّه أعلم. ] وحديث: من كنت مولاه، فعليُّ مولاه [حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، أخرجه الترمذي في "مناقب علي" من حديث أبي سريحة، أو زيد بن أرقم، وقال: حسن غريب ص 213 - ج 2.]، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفًا، وإنما ترجح بكثرة الرواة إذا كانت الرواة محتجًا بهم من الطرفين، كترجيح الائمة رواية من روى عن الزهري حديث: المجامع [حديث المجامع: أخرجه البخاري في "صحيحه" في عشرة مواضع: في "الصوم - في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء" ص 256، من رواية شعيب. ومنصور. ومعمر. وإبراهيم بن سعد. والأوزاعي. وابن عيينة. وليث، كلهم عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة. وفيها قال رجل: وقعت على امرأتي، وأنا صائم: فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "هل تجد رقبة" الحديث، وأخرجه مسلم في "الصوم - في باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم" من رواية ابن عيينة. ومنصور. وليث مثله، ومن رواية مالك عن الزهري: أن رجلًا أفطر في رمضان، فأمره رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن يكفر، الحديث، ومن رواية ابن جريج عنه، أمر رجلًا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، الحديث. ] وذكرهم الترتيب، وتعليق الحكم على الجماع على رواية من روى عنه التخيير، وترتيب الحكم على مجرد الفطر من غير ذكر الجماع، وأحاديث الجهر ليست مخرجة في الصحاح. ولا المسانيد المشهورة، ولم يروها إلا الحاكم. والدارقطني، فالحاكم عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة، والدارقطني فقد ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة. والشاذة. والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره! وأما الشهادة على النفي فهي وإن ظهرت في صورة النفي، فمعناها الإثبات، بخلاف حديث بلال، مع أن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال: فالأكثرون على تقديم الإثبات، قالوا: لأن المثبت معه زيادة علم، وأيضًا فالنفي يفيد التأكيد لدليل الأصل، والإثبات يفيد التأسيس، والتأسيس أولى. الثاني: أنهما سواء، قالوا: لأن النافي موافق للأصل، وأيضًا، فالظاهر تأخير النافي عن المثبت، إذ لو قدر مقدمًا عليه لكانت فائدته التأكيد، لدليل الأصل، وعلى تقدير تأخيره يكون تأسيسًا، فالعمل به أولى. القول الثالث: أن النافي مقدم على المثبت، وإليه ذهب الآمدي. وغيره، وقد قدم جماعة من الحذاق: منهم البيهقي النفي على الإثبات في حديث ماعز، وأنه عليه السلام صلى عليه، كما رواه البخاري في "صحيحه [في "المحاربين - في باب الرجم بالمصلى" ص 107. ]" من حديث جابر، ورواه أحمد [في "مسنده" ص 323 - ج 3، وأبو داود في "الحدود - في باب الرجم" ص 260 - ج 2، والترمذي في "باب من درأ الحد عن المعترف إذا رجع" ص 171 - ج 2، والنسائي في "الجنائز - في باب ترك الصلاة على المرجوم" ص 278. ] وأصحاب السنن، وقالوا فيه: ولم يصل عليه، وصححه الترمذي، وهو الصواب، واللّه أعلم، وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه لم يسمعه لبعده، وأنه كان صبيًا يومئذ، فمردود، لأن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ هاجر إلى المدينة، ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات، وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين، فلا يسمعه يومًا من الدهر يجهر؟ هذا بعيد، بل مستحيل، ثم قد روى هذا في زمان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فكيف! وهو رجل في زمن أبي بكر. وعمر، وكهل في زمان عثمان، مع تقدمه في زمانهم، وروايته للحديث؟!، وقد روى أنس، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه، رواه النسائي. وابن ماجه [حديث أنس أخرجه الطحاوي: في ص 133، وابن ماجه في "باب من يستحب أن يلي الإمام" ص 70، والبيهقي في: ص 97 - ج 3، والحاكم: ص 218 - ج 1. ] قال النووي في "الخلاصة": إسناده على شرط البخاري. مسلم، وأما ما روي من إنكار أنس، فلا يقاوم ما يثبت عنه خلافه في الصحيح، ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال، لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرًا، كما سئل يومًا عن مسألة، قال: عليكم بالحسن فاسألوه، فإنه حفظ، ونسينا، وكم ممن حدث ونسي، ويحتمل أنه سأله عن ذكرها في الصلاة أصلًا، لا عن الجهر بها وإخفائها، واللّه أعلم. ملخص ما قاله الحازمي في "الناسخ والمنسوخ (يتبع...) (تابع... 7): - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان. ووسط، فالطرف الأول قول... ... [في "باب الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم وإخفائه" ص 56. ] اختلف أهل العلم في البسملة، هل يجهر بها في الصلاة. أو لا؟ فذهب جماعة إلى الجهر بها، روي ذلك عن علي. وعمر. وابن عمر. وابن عباس. وعبد اللّه بن الزبير. وعطاء. وطاوس. ومجاهد. وسعيد بن جبير، وإليه ذهب الشافعي. وأصحابه، وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم، وقالوا: يسر بها ولا يجهر، وروي ذلك عن أبي بكر. وعمر - في 'حدى الروايتين - وعثمان. وابن مسعود. وعمار بن ياسر. والحكم. وحماد، وبه قال أحمد. وإسحاق. وأصحاب الحديث، وقالت طائفة: لا يقرأها سرًا ولا جهرًا، وبه قال مالك. والأوزاعي، استدل القائلون بالإخفاء بالأحاديث الثابتة، وأكثرها نصوص لا تقبل التأويل، وهي وإن عارضها أحاديث أخرى، فأحاديث الإسرار أولى بالتقديم، لأمرين: أحدهما: ثبوتها، وصحة سندها، ولا خفاء أن أحاديث الجهر لا توازيها في الصحة والثبوت. والثاني: أنها وإن صحت فهي منسوخة، بما أخبرنا، وساق من طريق أبي داود ثنا عباد بن موسى ثنا عباد بن العوام عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" بمكة، قال: وكان أهل مكة يدعون مسيلمة - الرحمن - فقالوا: إن محمدًا يدعو إله اليمامة، فأمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأخفاها، فما جهر بها حتى مات، انتهى. وهذا مرسل يتقوى بفعل الخلفاء الراشدين، لأنهم كانوا أعرف بأواخر الأمور، وأما من ذهب إلى الجهر، فقال: لا سبيل إلى إنكار ورود الأحاديث في الجانبين، وكتب السنن. والمسانيد ناطقة بذلك، ثم يشهد بصحة الجهر آثار الصحابة. ومن بعدهم من التابعين، وهلم جرّا، إلى عصر الأمة، وحديث سعيد بن جبير مرسلًا لا يقوم به حجة، ثم هو معارض بما أخبرنا، وساق من طريق الدارقطني ثنا أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن سعيد البزار ثنا جعفر بن عنبسة بن عمرو الكوفي ثنا عمر بن جعفر المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يزل يجهر في السورتين "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" حتى قبض، انتهى. قال: وطريق الإِنصاف أن يقال: أما ادعاء النسخ في كل المذهبين فمتعذر، لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة، وقد فقدناها ههنا، فلا سبيل إلى القول به، وأما أحاديث الإخفاء فهي أمتن، غير أن هنا شيئًا، وذلك أن أحاديث الجهر، وإن كانت مأثورة عن جماعة من الصحابة، غير أن أكثرها لم يسلم من شوائب الجرح، كما في الجانب الآخر، والاعتماد في الباب على رواية أنس بن مالك، لأنها أصح وأشهر، ثم الرواية قد اختلفت عن أنس من وجوه أربعة، وكلها صحيحة: الأول: روي عنه أنه قال: كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وأبو بكر. وعمر. وعثمان يفتتحون القراءة "بالحمد للّه رب العالمين"، وهذا أصح الروايات عن أنس، رواه يزيد بن هارون. ويحيى بن سعيد القطان. والحسن بن موسى الأشيب. ويحيى بن السكن أبو عمر الحوضي. وعمرو بن مرزوق. وغيرهم عن شعبة عن قتادة عن أنس، وكذلك روي عن الأعمش عن شعبة عن قتادة، وثابت عن أنس، وكذلك رواه عامة أصحاب قتادة عن قتادة: منهم هشام الدستوائي. وسعيد بن أبي عروبة. وأبان بن يزيد العطار. وحماد بن مسلمة. وحميد. وأيوب السختياني. والأوزاعي. وسعيد بن بشير. وغيرهم، وكذلك رواه معمر. وهمام. واختلف عنهما في لفظه، قال الدارقطني: وهو المحفوظ عن قتادة. وغيره عن أنس، وقد اتفق البخاري. ومسلم على إخراج هذه الرواية لسلامتها من الاضطراب، وقال الشافعي: معناه أنهم كانوا يبدؤون بقراءة الفاتحة قبل السورة، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون "بسم اللّه الرحمن الرحيم". الثاني: روي عنه أنه قال: صليت خلف النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. وأبي بكر. وعمر. وعثمان. فلم أسمع أحدًا منهم يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم"، رواه كذلك محمد بن جعفر. ومعاذ بن معاذ. وحجاج بن محمد. ومحمد بن بكر البرساني. وبشر بن عمر. وقراد أبو نوح. وآدم بن أبي إياس. وعبيد اللّه بن موسى. وأبو النصر هاشم بن القاسم. وعلي بن الجعد. وخالد بن زيد المرزحي عن شعبة عن قتادة، وأكثرهم اضطربوا فيه، فلذلك امتنع البخاري من إخراجه، وهو من مفاريد مسلم. الوجه الثالث: ما رواه همام. وجوير بن حازم عن قتادة، قال: سئل أنس بن مالك، كيف كانت قراءة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: كانت مدًا، ثم قال: "بسم اللّه الرحمن الرحيم" يمدّ "بسم الله" ويمدّ "بالرحمن" ويمدّ "بالرحيم"، وقال: وهذا حديث صحيح لا يعرف له علة، أخرجه البخاري في "صحيحه [في أواخر "التفسير - في باب مد القراءة" ص 754. ] الوجه الرابع: روي عنه ما أخبرنا، وساق من طريق الدارقطني ثنا أبو بكر يعقوب بن إبراهيم البزار ثنا العباس بن يزيد ثنا غسان بن مضر ثنا أبو سلمة سألت أنس بن مالك أكان رسل اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يستفتح "بالحمد للّه رب العاليمن، أو ببسم اللّه الرحمن الرحيم"؟، فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك، قلت: أكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي في النعلين؟، قال: نعم. انتهى. قال الدارقطني: إسناده صحيح، فهذه الروايات كلها صحيحة مخرجة في كتب الأئمة، وهي مختلفة، كما ترى، وغير مستبعد وقوع الاختلاف في مثل ذلك، وكم من شخص يتغافل عن أمر هو من لوازمه، حتى لا يلقي إليه بالًا ألبتة، وينتبه لأمر ليس من لوازمه ويلقي إليه باله بكليته، ومن أعجب ما اتفق لي أني دخلت جامعًا في بعض البلاد، لقراءة شيء من الحديث، فحضر إلي جماعة من أهل العلم، وهم من المواظبين على الجماعة في الجامع، وكان إمامهم صيِّتًا يملأ الجامع صوته، فسألتهم عنه، هل يجهر "ببسم اللّه الرحمن الرحيم" أو يخفيها؟ فاختلفوا عليّ في ذلك، فقال بعضهم: يجهر بها، وقال بعضهم: يخفيها، وتوقف آخرون، والحق أن كل من ذهب إلى أيّ هذه الروايات فهو متمسك بالسنة، واللّه أعلم. - الحديث الثاني عشر: روي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال: - "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وسورة معها"، قلت: أخرجه الترمذي. وابن ماجه [في "باب تحريم الصلاة وتحليلها" ص 32، وابن ماجه في: "باب مفتاح الصلاة الطهور" ص 34، الشطر، وفي "باب القراءة خلف الإمام" ص 61 الشطر الثاني.] بمعناه عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "مفتاح الصلاة الطهور. وتحريمها التكبير. وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد، وسورة، في فريضة، أو غيرها"، انتهى. بلفظ الترمذي، واقتصر ابن ماجه منه على قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد" إلى آخره، ذكره الترمذي في "باب تحريم الصلاة وتحليلها"، وابن ماجه في "باب القراءة خلف الإمام"، وسكت عنه الترمذي، وهو معلول بأبي سفيان، قال عبد الحق في أحكامه: لا يصح هذا الحديث من أجله، ورواه ابن عدي في "الكامل"، وضعف أبا سفيان عن ابن معين، وقال عنه النسائي: إنه متروك الحديث، ولفظه: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والسورة، وفي لفظ: أمرنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر. وفي لفظ: لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ومعها غيرها، في لفظ: وسورة في فريضة، أو غيرها، وليَّن هو أبا سفيان، وقال: وقد روى عنه الثقات، وإنما أنكر عليه أنه يأتي في المتون بأشياء لا يأتي بها غيره، وأسانيده مستقيمة، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة. وإسحاق بن راهويه في "مسنديهما"، ورواه الطبراني في "مسند الشاميين" عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد اللّه عن أبي نضرة به: لا صلاة إلا بأم القرآن، ومعها غيرها.
|