الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
قال عليه السلام في المضمضة. والاستنشاق: - "إنهما فرضان في الجنابة، سنَّتان في الوضوء، قلت: غريب، وروى الدارقطني [ص 43]، ثم البيهقي في "سننهما" من حديث بركة بن محمد الحلبي عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال:: قال [قلت: عبارة الدارقطني ص 43، هكذا، قال: جعل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثًا فريضة] رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثًا فريضة"، انتهى. قال الحاكم في المدخل: بركة بن محمد الحلبي يروي عن يوسف بن أسباط أحاديث موضوعة، وقال الدارقطني: حديث بركة هذا باطل لم يحدث به غيره، وهو يضع الحديث، وقال البيهقي في "المعرفة": هذا الحديث وهم، وإنما يروى هذا عن محمد بن سيرين، قال: سن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الاستنشاق في الجنابة ثلاثًا، هكذا رواه الثقات عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين مرسلًا، فأسنده بركة الحلبي عن أبي هريرة، وغير لفظه، ثم أسنده من جهة الدارقطني بسند صحيح إلى ابن سيرين، قال: سن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الاستنشاق في الجنابة ثلاثًا قال: وهكذا رواه عبيد اللّه بن موسى، وغيره عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين، وهو الصواب، انتهى. ورواه ابن عدي في "الكامل" وقال: لم يروه موصولًا غير بركة الحلبي، وكان يحدث، وسائر ما يرويه من الأحاديث باطل لا يرويها غيره، وقال لي عبدان الأهوازي: حدثني حديثًا فحدثته بهذا الحديث، فقال لي: هات حديث المسلمين، أنا قد رأيت بركة هذا بحلب ولم أكتب عنه، لأنه كان يكذب، انتهى. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" واتهم بركة، وقال: لعله وضعه، انتهى. قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": وقد روي هذا الحديث موصولًا من غير حديث بركة، قال: أخرجه الإمام أبو بكر الخطيب من جهة الدارقطني ثنا علي بن محمد بن يحيى بن مهران السواق ثنا سليمان بن الربيع النهدي ثنا همام بن مسلم ثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "المضمضة والاستنشاق ثلاثًا للجنب فريضة"، قال الدارقطني: هكذا حدثنيه هذا الشيخ من أصله، وهو غريب تفرد به سليمان بن الربيع عن همام، انتهى. قلت: وبهذا الإسناد أيضًا ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" واتهم همامًا بوضعه، وأغلظ فيه القول عن الدارقطني. وابن حبان. ورواه ابن حبان في "كتاب الضعفاء" في ترجمة همام، فقال: حدثنا حمزة بن داود نا سليمان بن الربيع به. وأعله بهمام، وقال: إنه كان يسرق الحديث ويحدث به، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به، وهذا لا أصل لرفعه، وإنما هو مرسل، انتهى. قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": وربما استدل لهذا بحديث أبي هريرة: "فبلوا الشعر [كذا في البيهقي ص 389 - ج 1] وأنقوا البشر" رواه الترمذي، وبحديث عطاء بن السائب عن زاذان عن علي أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "من ترك شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار" قال علي: فمن ثم عاديت شعري، وكان يجزه، انتهى. رواه ابن ماجه، وبحديث أبي ذر: "فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، أو قال: بشرتك" رواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه، انتهى كلامه. قال البيهقي في "المعرفة": قال الشافعي: وقد اعتمد بعض الناس في ذلك على أثر ورد عن ابن عباس، ثم أخرج البيهقي [ص 189] من طريق الدارقطني [ص 43] بسنده عن أبي حنيفة عن عثمان بن راشد عن عائشة بنت عجرد عن ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق، قال: لا يعيد إلا أن يكون جنبًا، قال: وزعم أن هذا أثر ثابت، يترك به القياس، وهو يعيب علينا الأخذ بحديث بسرة في مس الذكر، وعثمان بن راشد، وعائشة بنت عجرد غير معروفين ببلدهما، فكيف يجوز لأحد أن يثبت ضعيفًا مجهولًا ويوهن قويًا معروفًا؟! انتهى. - الحديث الخامس والعشرون: حديث ميمونة في اغتسال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من الجنابة، قلت: أخرجه الأئمة الستة [واللفظ لمسلم: ص 147 - ج 1.] في "كتبهم" مطولًا ومختصرًا عن عبد اللّه بن عباس، قال: حدثتني خالتي ميمونة، قالت: "أدنيت لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملأ كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده"، انتهى. قال في "الإِمام": غِسله "بكسر الغين" ما يغسل به. - الحديث السادس والعشرون: حديث أم سلمة، قال لها النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: - "يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك، قلت: رواه الجماعة [واللفظ لمسلم] إلا البخاري. من حديث عبد اللّه بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول اللّه إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: "لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين"، وفي رواية لمسلم: أما أنقضه للجنابة والحيض؟ [للحيضة والجنابة، كذا في "مسلم".] فقال: "لا" الحديث. - حديث آخر أخرجه مسلم [ص 150، وأحمد في: ص 43 - ج 6] عن عبيد اللّه بن عمير، قال: بلغ عائشة أن عبد اللّه بن عمرو بن العاص كان يأمر الناس إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: "يا عجبًا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات" انتهى. - حديث آخر رواه أبو داود في "سننه" حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه، قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد، قال: أفتاني جبير بن نفير أن ثوبان حدثهم أنهم استفتوا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عن ذلك، فقال: "أما الرجل فلينتشر [في "أبي داود فلينثر، وفلينشر، نسختان] رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات يكفيها" انتهى. وإسماعيل بن عياش، وابنه فيهما مقال، قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": وقد ورد ما يدل على أن المرأة تنقض شعرها في الحيض، روى البخاري في "صحيحه" [في "كتاب الحيض" ص 45] من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة، قالت: أهللت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حجة الوداع، فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي، فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة، فقالت: يا رسول اللّه هذه ليلة يوم عرفة، وإنما كنت تمتعت بعمرة، فقال لها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "انقضي رأسك وامتشطي وامسكي عن عمرتك" ففعلت، فلما قضيت الحج أمر عبد الرحمن ليلة الحصبة فأعمرني من التنعيم مكان عمرتي التي نسكت، انتهى. قال: وروى الدارقطني في "الإفراد" ثم الخطيب من جهته في "تلخيص المتشابه" من حديث مسلم بن صبيح حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا اغتسلت من المرأة من حيضتها نقضت شعرها نقضًا وغسلته بخطمى وأشنان، فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرته"، انتهى. - الحديث السابع والعشرون: قال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ "الماء من الماء". قلت: رواه مسلم. وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "الماء من الماء"، انتهى. ولفظ مسلم: "إنما الماء من الماء" وأخرجه مسلم في قصة من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، قال: خرجت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم الاثنين إلى قبا، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجرُّ إزاره، فقال عليه السلام: "أعجلنا الرجل" فقال عتبان: يا رسول اللّه أرأيت الرجل يعجل عن امرأته، ولم يُمْنِ ماذا عليه؟ فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ "إنما الماء من الماء"، انتهى. وهذا السياق يدفع رواية من روى عن ابن عباس أن قوله عليه السلام: "الماء من الماء" إنما كان في الاحتلام، رواهما الترمذي في "كتبه" فقال: حدثنا علي بن حجر نا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إنما الماء من الماء" في الاحتلام، انتهى. وأسند عن وكيع، قال: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك، واسم أبي الجحاف "داود بن أبي عوف" قال الثوري: كان مرجئًا، انتهى. ورواه الطبراني في "معجمه" حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن الصباح ثنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إنما قال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "الماء من الماء في الاحتلام "انتهى. الكلام على نسخ هذا الحديث، اعلم أن حديث "الماء من الماء" حديث منسوخ، لأن مفهومه عدم الغسل من الإكسال، بل ورد في "الصحيحين" صريحًا من حديث أبيّ بن كعب، ومن حديث أبي سعيد، أما حديث أبيّ بن كعب، فرواه البخاري. ومسلم من رواية أبي أيوب عنه، قال: سألت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عن الرجل يصيب من المرأة، ثم يكسل، فقال: يغسل ما أصابه من المرأة، ثم يتوضأ ويصلي"، انتهى. وأما حديث أبي سعيد، فرواه البخاري [في "باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين" ص 30]. ومسلم أيضًا من رواية ذكوان عنه: أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مرّ على رجل من الأنصار فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر ماءًا فقال: "لعلنا أعجلناك؟ فقال: نعم يا رسول اللّه، فقال: إذا عجلت أو أقحطت [وفي نسخة "قحطت] فلا غسل عليك، وعليك الوضوء" انتهى. وهذه الأحاديث كلها منسوخة، وللناس في الاستدلال على نسخها طريقان: أحدهما: بالأحاديث. والثاني: رجوع من روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الحكم الأول. أما الأحاديث: فمنها: ما ذكر فيها النسخ، ومنها ما لم يذكر فيها، فالتي لم يذكر فيها النسخ، بل فيها الغسل فقط، حديثان: أحدهما: من رواية أبي هريرة، والآخر: من رواية أبي موسى، فحديث أبي هريرة، رواه البخاري. مسلم من حديث أبي رافع عنه، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل". زاد مسلم في رواية: "وإن لم ينزل"، انتهى. وأخرج مسلم - قبل ذكره - حديث أبي هريرة بهذا عن أبي العلاء بن الشخير رضي اللّه عنه، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ينسخ حديثه بعضه بعضًا، كما ينسخ القرآن بعضه بعضًا، انتهى. وحديث أبي موسى رواه مسلم من حديث أبي بردة عنه، قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق، أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى: انا أشفيكم من ذلك، فقمت واستأذنت على عائشة، فأذن لي، فقلت لها: يا أماه إني أريد أن أسألك عن شيء وأني أستحييك، فقالت: لا تستح أن تسألني عما كنت سائلًا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"، انتهى. وأما الأحاديث التي صرح فيها بالنسخ، فهي ثلاثة: أحدهما: ما أخرجه أبو داود. والترمذي وابن ماجه [وصححه الترمذي، قال الحافظ: في "الفتح" ص 339 - ج 1: وصححه ابن خزيمة. وابن حبان، وقال الإسماعيلي: وهو صحيح على شرط البخاري، كذا قال، وكأنه لم يطلع على علته، اهـ. قال أبو حاتم في "عللّه" ص 49، وذكر حديث: "الماء من الماء"، وقال: هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب] عن يونس عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب، قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها، انتهى. قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": وأعلّ هذا الحديث بأن فيه انقطاعًا بين الزهري. وسهل، يدل عليه رواية ابن ماجه، قال: قال سهل بن سعد الساعدي: فلم يذكر الإخبار، وعند أبو داود [وأحمد: ص 116 - ج 5]، وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب، قال: حدثني بعض من أرضى: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبيَّ بن كعب أخبره أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فذكره، وهذا يقتضي أن الزهري لم يسمعه من سهل، وقد جزم بذلك البيهقي، [ص 165 - ج 1] فقال: وهذا الحديث لم يسمعه الزهري من سهل إنما سمعه من بعض أصحابه عن سهل، قال ابن خزيمة: وهذا الرجل الذي لم يسِّمه عمرو بن الحارث يشبه أن يكون أبا حازم بن سلمة بن دينار، لأن مبشر بن إسماعيل روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب [لهذا الإسناد أيضًا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم "فتح الباري" ص 339 - ج 1، قلت: في "العلل" ص 41: إن أبا حاتم سأل أبا عبد الرحمن الحبلي عن هذا الحديث "حديث مبشر عن محمد ن مطرف" فقال: قد دخل لصاحبك حديث في حديث، ما نعرف في هذا الحديث أصلًا.] قال الشيخ: قلت: قد رواه بهذا السند أبو داود في "سننه" [والدارمي في "سننه": ص 103] وابن حبان في "صحيحه" [والدارقطني في "سننه" ص 46، وقال: صحيح] عن أبي جعفر الجمال عن مبشر بن إسماعيل بالسند المذكور. ولفظه: عن أبيّ بن كعب أن الفُتيا التي كانوا يفتون: "أن الماء من الماء" كانت رخصة رخصها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد، انتهى. وأخرجه البيهقي في "سننه" [ص 166] من طريق أبي داود، وقال قبل إخراجه: وقد رويناه بإسناد آخر صحيح موصول عن سهل بن سعد، ثم ذكره، وقال ابن حاتم: سألت أبي عن أحاديث: "الماء من الماء" فقال: كلها منسوخة بحديث سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب، قال الشيخ: وقد وقع لي رواية عن محمد بن جعفر من جهة أبي موسى عنه عن معمر عن الزهري، وفيها قال: أخبرني سهل بن سعد، فعليك بالبحث عنها، فإنها مخالفة لما ذكره عمرو بن الحارث، واللّه أعلم، انتهى. - الحديث الثاني: أخرجه ابن حبان في "صحيحه [والدارقطني في "سننه" ص 47]" عن الحسين بن عمران عن الزهري، قال: سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل، قال: على الناس أن يأخذوا بالآخر، فالآخر من قول رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، حدثتني عائشة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر الناس بالغسل، انتهى. وأخرجه الحازمي في "كتابه" [ص 23 من "كتابه الاعتبار، وفي الناسخ والمنسوخ من الآثار". ] من جهة ابن حبان، وقال: هذا حديث قد حكم ابن حبان بصحته، غير أن الحسين بن عمران كثيرًا ما يأتي عن الزهري بالمناكير، وقد ضعفه غير واحد من أهل الحديث. وعلى الجملة، فالحديث بهذا السياق فيه ما فيه، ولكنه حسن جيد في الاستشهاد [إلى ههنا قول الحازمي] قال الشيخ: الذي وجدته في "كتاب الضعفاء - للعقيلي" أنه روى هذا الحديث، ثم أعله بالحسين بن عمران، وقال: لا يتابع على حديثه، ولا يعلم هذا االفظ عن عائشة إلا في هذا الحديث، انتهى. وذكر العقيلي عن آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري يقول: حسين بن عمران الجهني لا يتابع على حديثه [في القدر "تهذيب".] وكذلك ذكر أبو العرب القروي عن أبي بشر، قال: ولم أقف على أكثر من هذا في حسين بن عمران، وهو أخف من قول الحازمي، وقد ضعفه غير واحد، بل لو قيل: ليس فيه جزم بالتضعيف [قال الدارقطني: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات "تهذيب". ] لم يبعد ذلك، انتهى. - الحديث الثالث: رواه أحمد في "مسنده" [ص 143 - ج 4] حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب الغافقي عن بعض ولد رافع بن خديج عن رافع بن خديج، قال: ناداني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وأنا على بطن امرأتي فقمت، ولم أُنزل فاغتسلت وخرجت، فقال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا عليك، إنما الماء من الماء" قال رافع: ثم أمرنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعد ذلك بالغسل، انتهى. وذكره الحازمي في "كتابه [ص 22.]" وقال: هذا حديث حسن، انتهى. وهذا فيه نظر، فإن فيه رشدين بن سعد أكثر الناس على ضعفه. وبعض ولد رافع مجهول العين والحال، وحديث يشتمل سنده على ضعيف ومجهول كيف يكون حسنًا؟! قال الشيخ تقي الدين: وقد وقع لي تسمية ولد رافع في أصل سماع الحافظ السلفي، وساق الشيخ سنده إلى رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهل بن رافع بن خديج عن رفيع بن خديج، فذكره. الطريق الثاني: في الاستدلال على النسخ، وهو أن بعض من روى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الحكم الأول أفتى بوجوب الغسل، أو رجع عن الأول، فروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد اللّه بن كعب مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله، ثم يكسل ولا ينزل، فقال زيد: يغتسل، فقال له محمود: إن أبيّ بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد: إن أبيّ بن كعب نزع عن ذلك قبل أن يموت، قال الشافعي [قوله هذا في "الاعتبار - للحازمي ص 22]: لا أحسبه تركه، إلا أنه ثبت له أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال بعد ما نسخه، وقال البيهقي: قول أبيّ بن كعب: "الماء من الماء" ثم نزوعه عنه بعد ذلك يدل على أنه ثبت عنده أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال بعده ما نسخه، وكذلك عثمان بن عفان. وعلي بن أبي طالب. وغيرهما، وروى مالك أيضًا عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب. وعثمان بن عفان. وعائشة زوج النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كانوا يقولون: "إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل" واللّه أعلم، انتهى. - الحديث الثامن والعشرون: روي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال: - "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل" قلت: رواه الإمام أبو محمد عبد اللّه بن وهب في "مسنده" أخبرنا الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد اللّه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللّه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ سئل، ما يوجب الغسل؟ فقال: "إذا التقت الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل"، انتهى. وذكره عبد الحق في "أحكامه" من جهة ابن وهب، وكذلك الشيخ تقي الدين في الإمام، قال عبد الحق: وإسناده ضعيف جدًا، انتهى. وكأنه يشير إلى الحارث بن نبهان، وأورده بهذا اللفظ، كما أورده المصنف. صاحب المدونة. من المالكية في "كتابه" وقد تقدم معنى الحديث في "الصحيحين" عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا قعد بين شعبها الأربع وجهدها فقد وجب الغسل". زاد مسلم في رواية: "وإن لم ينزل". ولمسلم عن عائشة مرفوعًا نحوه، وفيه "ومس الختان الختان". ورواه الطبراني في "معجمه الوسط" [قلت: ورواه ابن ماجه ص 45، عن أبي بكر بن أبي شيبة ثنا معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل" اهـ. حجاج بن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء: صدوق كثير الخطأ والتدليس، وبقية رجاله ثقات. قلت: الحديث في "المصنف" ص 61] أخبرنا عبد اللّه بن محمد الصفار التستري ثنا يحيى بن غيلان ثنا عبد اللّه بن بزيغ عن أبي حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن سائلًا سأل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أيوجب الماء إلا الماء؟ فقال: "إذا التقى الختانان وغيب الحشفة فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل"، انتهى. - الحديث التاسع والعشرون: روي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: - أنه سن الغسل للجمعة. والعيدين. وعرفة. والإحرام، قلت: أما الجمعة، ففي "الصحيحين" من حديث عمر بن الخطاب [البخاري: ص 121. ومسلم: 280، واللفظ له] عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال:" إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"، انتهى. وروى ابن عدي في "الكامل" من حديث حفص بن عمر الأيلي ثنا عبد اللّه بن المثنى عن عميه النضر 0 وموسى بن أنس بن مالك عن أبيهما أنس بن مالك أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال لأصحابه:" اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأسًا بدينار"، انتهى. وضعف حفصًا هذا، وذكره عبد الحق في "أحكامه" من جهة ابن عدي، ولفظه فيه: ولو كانت بدينار، وهو تصحيف نبه عليه ابن القطان في" كتابه". وأما العيدان [استدل البيهقي في ص 299 - ج 1: بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في جمعة من الجمع:" يا معشر المسلمين هذا يوم جعله اللّه تعالى لكم عيدًا فاغسلوا وعليكم بالسواك"، وقال: ورواه مسلم. ] ففيهما أحاديث: منها حديث الفاكه بن سعد، رواه ابن ماجه في "سننه" حدثنا نصر بن علي ثنا يوسف بن خالد [تركوه، وكذبه ابن معين، وكان من فقهاء الحنفية "تقريب".] ثنا أبو جعفر الخطمي عن عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه عن جده الفاكه بن سعد - وكانت له صحبة - أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يغتسل يوم الفطر. ويوم النحر. ويوم عرفة، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل هذه الأيام، انتهى. ورواه الطبراني في "معجمه" والبزار في "مسنده"، وزاد فيه: ويوم الجمعة، قال: ولا نعرف للفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وهو صحابي مشهور، والحديث في "مسند أحمد" [ص 78 - ج 4] بلفظ البزار، لكنه ليس من رواية أحمد، وإنما رواه عبد اللّه بن أحمد عن نصر بن علي به، وعله الحديث يوسف بن خالد السمّي، قال في "الإمام": تكلموا فأفظعوا فيه. - حديث آخر رواه ابن ماجه أيضًا أخبرنا جبارة بن المغلس عن حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يغتسل يوم الفطر. ويوم الاضحى، انتهى. قال ابن القطان في "كتابه": هذا حديث معلول بجبارة بن المغلس، فإنه ضعيف، وإن كان ابن عدي قد مشاه، وقال: لا بأس به، ولا يتابع على بعض حديثه، وحجاج أيضًا، قال فيه ابن عدي: أحاديث حجاج عن ميمون غير مستقيمة. - حديث آخر أخرجه البزار في "مسنده" عن مندل عن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ اغتسل للعيدين، انتهى. وذكره عبد الحق في "أحكامه" من جهة البزار، وقال: إسناده ضعيف، قال ابن القطان في "كتابه": وعلته محمد بن عبيد اللّه، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث واهيه، وقال البخاري: منكر الحديث، ومندل بن علي أشبه [وفي "س" أسوأ] حالًا منه، مع أنه ضعيف، انتهى. وأما عرفة فقد تقدم فيها حديث الفاكه بن سعد، وأما الإحرام، ففيه حديثان: أحدهما: أخرجه مسلم في "الحج" عن عائشة قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكرة بالشجرة، فأمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل، انتهى. الثاني: أخرجه الترمذي أيضًا في "الحج [والدارقطني من حديث زيد: ص 256 ومن حديث ابن عباس. وابن عمر. ------------]" عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت أنه رأى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ تجرد لإهلاله، واغتسل، انتهى. وقال: حديث حسن غريب، انتهى. وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحج" إن شاء اللّه تعالى. - الحديث الثلاثون: قال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: - "من أتى الجمعة فليغتسل". قلت: رواه البخاري. ومسلم من حديث ابن عمر قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "من جاء الجمعة منكم فليغتسل"، انتهى. وفي لفظ لهما [للبخاري: ص 120، وأما مسلم فلم أجد فيه بل فيه: "إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل".] "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، انتهى. ورواه الترمذي. وابن ماجه بلفظ: "من أتى الجمعة فليغتسل"، زاد البيهقي: "ومن لم يأتها فليس عليه غسل"، قال النووي في "الخلاصة": وسندها صحيح. - حديث آخر دال على الوجوب، رواه البخاري. ومسلم من حديث الخدري أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، انتهى. - حديث آخر روى البخاري. ومسلم أيضًا من حديث أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "حق للّه على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" زاد البزار. والطحاوي [حديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي في: ص 71، ولم أجد فيه الزيادة، وإنما الزيادة في حديث جابر، رواه الطحاوي: ص 69، ورواه النسائي: ص 204، كلاهما من طريق داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر، وهذه الزيادة في حديث أبي هريرة عند ابن حزم في "المحلى" ص 20 - ج 2، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 28 - ج 1: سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام؟ قال أبي: هذا خطأ، إنما هو على ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف، اهـ.]: وذلك يوم الجمعة" وأخرجه النسائي عن جابر بلفظ البزار. والطحاوي، قال النووي في "الخلاصة": إسناده على شرط مسلم. - حديث آخر، روى البخاري. ومسلم أيضًا من حديث أبي هريرة أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل، ولفظ مسلم: إذ دخل عثمان بن عفان، فعرّض به عمر، فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟! فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضًا، ألم تسمعوا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"، انتهى. - حديث آخر، روى ابن الزبير عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يأمر بالغسل يوم الجمعة، انتهى. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والطحاوي، وللناس عن هذه الأحاديث جوابان: أحدهما: أن يحمل الأمر فيها على الاستحباب، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب، والسبب قد زال، فيزول الحكم بزوال علته، كما رواه البخاري. ومسلم من حديث يحيى بن سعيد: أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة: "كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم"، وأخرج مسلم عن عروة عنهما [ص 280، والبخاري أيضًا: ص 123.] قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم ومن العوالي، فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار، فيخرج منهم الريح، فأتى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إنسان منهم - وهو عندي - فقال عليه السلام: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"، وأخرج أبو داود عن عكرمة [أخرجه أبو داود في"الطهارة" في "باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة" ص 57، والحاكم في "المستدرك" في - الصلاة - في "باب الغسل يوم الجمعة" ص 280 - ج 1، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي: ص 295 - ج 1، وضعفه ابن حزم في" المحلى" ص 12 - ج 2، وتعلق بعمرو بن أبي عمرو، وهو من رجال الصحيحين، ووثقه أبو زرعة. والعجلي، قال أحمد: أبو حاتم لا بأس به.] أن أناسًا من أهل العراق، جاؤوا، فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل: كان الناس مجهودين يلبسن الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقًا مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في يوم حارّ، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح، آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلما وجد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ تلك الريح، قال: "أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه" قال ابن عباس: ثم جاء اللّه تعالى بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق، انتهى. ويؤيد ذلك أن عمر رضي اللّه عنه لم ينكر على عثمان حين جاء إلى الجمعة من غير أن يغتسل، فإنه فال: ما زدت على أن توضأت، فكان ذلك بمحضر من الصحابة، وإنما أنكر عليه تأخره، وأما قوله: غسل الجمعة واجب، فقال الخطابي: [أي في "معالم السنن" ص 106 - ج 1]. معناه قوي في الاستحباب، كما تقول: حقك علي واجب، قال: ويدل عليه أنه قرنه بما لا يجب اتفاقًا، كما رواه مسلم في حديث الخدري أنه عليه السلام، قال: "غسل الجمعة على كل محتلم والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه"، انتهى. يحمل مؤخر ما رواه مالك "يعني حديث: من أتى الجمعة فليغتسل" على الاستحباب، وعلى النسخ، انتهى. ومما يدل على أن هذا الحديث ناسخ لأحاديث الوجوب ما رواه ابن عدي في "الكامل" من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش عن أنس قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" فلما كان الشتاء، قلنا: يا رسول اللّه أمرتنا بالغسل للجمعة، وقد جاء الشتاء، ونحن نجد البرد؟ فقال: "من اغتسل فبها ونعمت، ومن لم يغتسل فلا حرج"، انتهى. إلا أن هذا سند ضعيف يسدّ بغيره. الجواب الثاني: إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث: "من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل"، قال ابن الجوزي في "التحقيق" وفي هذا بعد إذ لا تاريخ معهم، وأيضًا فأحاديث الوجوب أصح وأقوى، والضعيف لا ينسخ القوي، انتهى. والى هذين الحوابين أشار صاحب الكتاب بقوله: وبهذا "يعني حديث: من توضأ فبها ونعمت". -
|